مانروّحش!

الصرخة التي أطلقها شاب تونسيّ " حارق " في الطّائرة التي ستعود به إلى أرض " الوطن"، يمكن اعتبارها صرخة العصر في تونس، كصرخات أخرى ذاعت في العالم، وتحوّلت إلى صيغ تعبيريّة سياسيّة، أو إنسانيّة، أو وجوديّة.

هذه الصّرخة يفترض أن تهزّ الوجدان التونسي ( لن أتحدّث عن الوجدان العالمي ) وأن تعلن من أجلها "حالة طوارئ" فكريّة " يشارك فيها الجميع دون استثناء ( وهو مطلب مستحيل الآن ) من أجل الإجابة عن السّؤال " الحارق " بدوره:

لماذا " مانروّحش! "؟

لماذا هذه الصّرخة القاتلة؟

أكيد أنّ الإجابة أكثر إيلاما لأنّها تتعلّق بنزيف تاريخيّ ل"جسد" سياسيّ منهك ومثخن بجراح اتّفاقيّات قديمة تعود إلى ما قبل الاستعمار وحديثة حوّلت البلاد إلى جحيم طاردة لأهلها.

ومن الأكيد أيضا أنّنا نحن المقيمين هنا، نهجس أيضا بصرخة " مانروّحش! " ونهتف بها سرّا، داخل الوطن، فنحن أيضا لا نريد العودة إلى " وطن " ظالم ولو كنّا فيه، ونهرب منه، ونغادره ونحن في قلبه، فلا وطن لمن لا يجد العدل والحريّة ولمن لا يجد الطّمأنينة، ولمن لا يجد الوطن.

ومن الأكيد أيضا، أنّنا نعيش المفارقة الأكبر: أبناؤنا المهاجرون الذين لا يريدون العودة إلينا، والمهاجرون إلينا الذين لا يريدون العودة إلى بلدانهم، وفي الحالتين فشلنا في أن نكون أرض لقاء إنسانيّ، وفي أن نخوض تجربة العيش الإنسانيّ بمعانيها العميقة، فكلّ شيء يدعو إلى التباغض والتّنافر والتنافي.

مانروّحش! أنا أيضا لا أريد العودة إلى هذه الخيبة الكبرى، بعد أن فتحنا أفقا جديدا للعيش بعد الثورة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات