حول حادثة الشاب الذي حمل علم فلسطين ومزّق لافتة إشهارية لشركة تجارية تموّل الكيان النازي ومنخرطة في حرب الإبادة في غزة...
* كثير من "أصدقائنا" الذين تحمسوا للانقلاب واعتبروه إسقاطا شعبيا وشرعيا لديمقراطية ليبرالية شكلانية زائفة وفاسدة صدّقوا فعلا أن الانقلاب قامت به جهة قريبة من قضية فلسطين. ورغم أن فيهم من انتابته شكوك قوية في "هوية الانقلاب" حين رفض تمرير قانون تجريم التطبيع، إلا أنه ابتلع حيرته وخجله من أن يعترف بحماسه الأحمق لانقلاب خدعه بشعار "التطبيع خيانة عظمى".
وها هم الآن أمام امتحان آخر لحمقهم أمام حادثة تعنيف شاب منخرط عمليا في دعم فلسطين، وإهانته وإيقافه على يد النظام الذي ساندوه لأنهم ظنوا أنه سيقودهم في حرب تحرير فلسطين.
لا أريد طبعا أن أثبت حمق هؤلاء، فتلك مسألة محسومة. بل أريد أن أطرح من خلالهم سؤالا بسيطا موجها إليهم والى من كان يتوهم، بعد الثورة، أنه "يحكم" لمجرد أنه فاز في الانتخابات: متى تفهمون أن الدول التابعة والمستعمرة بنيويا لا تحكمها "الواجهات السياسية".. سواء كانت منتخبة أو مصعَّدة انقلابيا؟
تبا.
* بعض المثقفين المغرمين حد الاستلاب بكرة القدم، ولست ألومهم طبعا، فأنا مع حرية الانخراط في التفاهة، فضلا عن أني أعلم أن من وقع في تماهٍ وجداني مع فريق كرة قدم منذ الطفولة غير الواعية من شبه المستحيل أن يتخلص من هذا الولاء العاطفي البدائي الوجودي لذلك الفريق... ، بعض هؤلاء أرادوا استغلال الحادثة لمحاولة التأصيل النظري والنضالي لظاهرة "الهوليجانز الأحمق".
يقولون أن الشاب الجامعي المناضل أثبت أن الملاعب الرياضية يمكن أن تتحول إلى ساحات احتجاج وثورة وتمرد ضد الاستبداد والإمبريالية. وهذا ببساطة ليس إلا مغالطة لذواتهم المستلبة من الحب الطفولي المرضي لكرة القدم.
أمين الطويهري لم يذهب للملعب أمس لأنه مشجّع لفريق كرة قدم، بل ذهب بصفته مهموما بقضية إنسانية عظيمة. نزل إلى الملعب وحده، وانتزع لافتة الإشهار وحده، ومزقها وحده، واعتقل وحده، وضُرب وأهين وحده ، وكان جمهور الهوليجانز يشاهده بسلبية مقيتة تثبت أنه جمهور كرة لا أكثر..، حتى إن تحمس أحيانا عاطفيا وهتف لفلسطين. فلسطين البعيدة عنه جغرافيا، والبعيدة عن وعيه.
من يريد الإقناع بأن ما فعله أمين الطويهري يثبت أن الولاء الوجداني لكرة القدم لا يُذهب الوعي، هو كمن يريد الإقناع بأن الخمر لا يُذهب الوعي، والدليل أنه يعرف شخصا يستطيع أن يشرب عشرة قوارير مرناڤ ولا يفقد وعيه..، وهذا ممكن طبعا. لكنه لا يقول أن هذا الشخص القوي.. حالة خاصة جدا.