من ذكرياتي في رمضان

Photo

كان الكبار يغروننا بالصوم ويرغبوننا فيه بشتى أساليب الإغراء تارة، وبالوعيد تارة أخرى!!

كانوا يصفون الصائمين منا نحن الأطفال "بالرجال" ويعدوننا ب"مهبة" منتفخة يوم العيد، ويعفون الصائمين منا من بعض الأعمال الفلاحيّة المرهقة!!

أما المفطرون فكانوا يتوعدونهم بسوء المصير دنيا وآخرة.. فكنا ندعي الصوم، ونشكو العطش والجوع ونظهر أننا مرهقون ومتعبون بتأثير الصيام!!

مع أننا "ملأنا" معدنا بما لذّ وطاب من بقايا إفطار اليوم السابق بعد أن نكون قد تواطأنا مع خديجة ابنة عمنا، التي كانت، رحمها الله، تسهّل لنا الأمور لقاء أن نمنحها بعض الملاليم التي نحصل عليها من هنا وهناك لتقتني بها "الشامية" حلواها المفضلة التي لم تكن تشبع منها، عفا الله عنها وغفر لها!!

فقد كانت فتاة طيبة و"على نياتها"..

ومع أنها كانت تقاربنا سنا فقد كانت تعاملنا مثل أم حنون ولم تكن تعدم حيلة لتبرير غياب الأكل في المطبخ!!

وكنا نحن نثقل عليها سامحنا الله، ونضطرّها بإلحاحنا واستعطافنا أن تتدبر لنا بطريقتها الأكل والحلوى وما تيسّر من الأطايب التي كانت أمهاتنا تخفين النفيس منها في أماكن مجهولة لا تطلع عليها إلا خديجة..

ومازلتُ إلى اليوم كلما زرت قريتي النائية أجلس بجانب قبرها أقرأ الفاتحة وما تيسر من الذكر على روحها، وأدعو الله أن يكون رحيما بها مثلما كانت رحيمة بنا..

ولكن الأمور لم تنته على خير.. فقد حصل أن "أتينا "على كل ما وجدناه في مطبخ العائلة، وحين وصل ابن خالي "علي" من مدرسته بعدنا لم يجد شيئا مع أنه نبهنا منذ الصباح أن نبقي له شيئا من "المعكرونة" عندما نعود قبله إلى البيت!!

فلم يكن منه إلا أن كشف كل الحكاية للأهل، نكاية بنا!!

وكان رد الأهل قاسيا جدا: حرماننا من الإفطار!! وتكليفنا بالبقاء واقفين في الخارج حتى انتهاء الوجبة العائلية!!

وقد نالت العقوبة ابن خالي عليّا أيضا، الذي أشبعناه قرصا وركلا وشتيمة..

بعد هذه الحادثة فرضت علينا رقابة شديدة وأصبحنا نخضع لحملات "تفتيش وتدقيق منتظمة"، ومفاجئة!! فنُؤمر بفتح حلوقنا للبحث عن آثار الطعام، وإفراغ جيوبنا من كل ما فيها من دراهم حتى لا نقتني ما يمكن أكله..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات