"مجلس الخبز"، بقاعة "سي ـ هانوك" بالقصبة"

مجلس الخبز"*، بقاعة "سي ـ هانوك"** بالقصبة***": للأسف خطاب متوتِّر ومتناقض ومهتز لرئيس الجمهوريَّة، وأرق في كومة ورق، وخلط بين الملفَّات، وانقلاب رهيب على خطاب "لا للعودة للوراء" بحل قديم يعود لما قبل إعلان الجمهوريَّة (؟؟؟): "الأفضل الرُّجوع للأمر العلي لسنة 1956" (؟؟؟)..

ثُمَّ إنَّ تبشير رئيس الجمهوريَّة الخطير ب"خبز واحد لكل التُّونسيِّين" (؟؟؟) يعني في الحقيقة رفع الدَّعم تماما ، لأنَّ فلسفة الدَّعم أن يوجَّه لمحتاجيه من ضعاف الحال.. وخبز واحد للجميع بالسِّعر الحالي للخبز المدعَّم مستحيل ماليَّا، وسيكون واقعيًّأ بسعر كلفة السُّوق، أي في حدود دينار واحد على الأقل أكثر من خمسة أضعاف الخبز النَّحيف (باقات فرنسي) وأكثر من أربعة أضعاف الخبز البَدين (تونسي طلياني)..

والأخطر أنَّ شعار "خبز واحد للجميع" ولم لا "حذاء واحد للجميع" و"قميص واحد للجميع" و"تُبَّان واحد للجميع" و"فكر واحد للجميع" "ورأي واحد للجميع" إلخ، إلخ، إلخ، ما هي إلَّا عمليَّة استحضار أرواح تخاريف منظِّري الكتب الصَّفراء لنظام شيوعي فشل في معاقله في روسيا القيصريَّة بمناشفتها وبلاشفتها، وبلينينها وستالينها ومالينكوفها وخروتشوفها وبريجنيفها وأندروبوفها وتشيرنينكوفها وغورباتشوفها ويلستسينها**** سكِّيرها الأخير قبل انهيارها..

و"خبز واحد للجميع" يحيل على ما يعتقده البعض من إخواننا المسيحيِّين أنَّه رسالة "الأب بولس الرَّسول" الأولى لأهل كورنثوس في الإنجيل في الإصحاح العاشر للمعتقدات المسيحيَّة للكنيسة الأنجليكانيَّة، والَّتي ليست من كنائسنا المسيحيَّة في تونس، بَلْهَ أنَّه لم يرد ذكرها أي الرِّسالة لا في ديباجة ولا في متن دساتير الجمهوريَّة التُّونسيَّة، لا في دستور المجلس القومي التَّأسيسي المؤرَّخ في غرَّة جوان 1959 ولا في دستور المجلس الوطني التَّأسيسي المؤرَّخ في 27 جانفي 2014، ولا في حتَّى دستور الرَّئيس المختوم بريشة الرَّئيس في 17 أوت 2022، وبالتَّالي ليست مرجعا لتفسير مقاصد "المُشرِّع ـ المُؤسِّس" في القومي التَّأسيسي وفي الوطني التَّأسيسي ولا "المُشرِّع الاستثنائي للتَّدابير الاستثنائيَّة ـ المُشرعن ـ الرَّئيس" ولا حتَّى "مولانا السُّلطان" في قديم الزَّمان..

كان على رئيس الجمهوريَّة التَّروِّي قبل كل شيء والاستماع والإصغاء والإنصات، ودعوة مجلس وزاري منتظم في دورته الأسبوعيَّة العاديَّة والاستماع إلى وزراء التَّدابير الاستثنائيَّة المعنيِّين بمعضلة الخبز و المتداخلين من وزارة فلاحة ووزارة تجارة ووزارة ماليَّة ووزارة اقتصاد وتخطيط ووزارة شؤون اجتماعيَّة وبنك مركزي وديوان حبوب وديوان تجارة ومطاحن ومخابز، لأنَّ الحلَّ ليس في كراريس وتمارين الأشغال المسيَّرة لطلبة السَّنة أولى قانون ولا في "استخلاق" الشِّعارات الفضفاضة المُبهمة مهتزَّة المعنى والمبنى، بل الحل في الإصغاء لأهل لاختصاص والمهنة وتداول الحلول الواقعية والعقلانيَّة الممكنة واختيار أفضلها وأقوم مسالكها..

وكان على رئيس الجمهوريَّة ومستشاريه أن يتفادى الظُّهور وهو في حالة إرهاق بدني يكسو محيَّاه، وفي حالة إجهاد ذهني يكشفه تداخل المواضيع واهتزاز الافكار وتناقضها، وتوتُّر نفسي تكشفه الحركات المتوتِّرة في قاعة ضيِّقة بإنارة رديئة تشوِّش تركيزه أمام ناظريه صورة الدِّكتاتور "سي ـ هانوك" المضطرب نفسيًّا و"المتشقلب" سياسيًّا، وعلى طاولة مستطيلة حادَّة غير مريحة وغير مستديرة ولا تشجِّع على الحوار وغطاء "مطبخي" أحمر دموي قان يزيد من الغضب والتَّوتُّر ولا يعين عل التَّركيز ولا يوفّر أريحيَّة للفهم والتَّباحث والنِّقاش والحوار، وفي حالة أرق غارقا في كومة من ورق..

وكان على رئيس الجمهوريَّة وهو يبحث في أرشيف كراريسه وتمارين طلبته في "الوراء التَّشريعي" أن يُنهي التَّناقض بين شعارات "لا عودة للوراء" الجوفاء وما ذكره اللأَيلة في "مجلس الخُبز" من أنَّه من "للأفضل العودة للأمر العلي لسنة 1956"..

فحينها يكون أحرى وبأولى ومن الأفضل العودة للأمر العلي المؤرَّخ في 29 ديسمبر 1955، بختم نفس الباي محمَّد الأمين باشا باي واقتراح من الوزير الأكبر آنذاك الزَّعيم الحبيب بورقيبة، بدعوة النَّاخبين لانتخاب مجلس قومي تأسيسي بالاقتراع العام السِّري والمباشر ودعوته للاجتماع يوم 8 أفريل 1956 وفاء لعيد الشُّهداء الَّذين سقطوا في مظاهرات 7 و8 و9 أفريل 1936 من أجل برلمان تونسي وحكومة وطنيَّة، لاعتماد دستور جديد للدَّولة فجر الاستقلال المجيد من طرف نوَّاب الأمَّة التُّونسيَّة، يقتصر فيه دور رئيس الدَّولة فقط على إجراء الإرادة الشَّعبيَّة بختم ونشر "الدُّستور التَّأسيسي" الَّذي يعتمده "نوَّاب الأمَّة المؤسِّسون"، ويأذن بنشره في الرَّائد الرَّسمي للجمهوريَّة التُّونسيَّة بعد ختمه بختم الدَّولة السَّعِيد..


الحواشي:

*- "مجلس الخبز": المجلس الَّذي التأم اليوم بقصر الحكومة بالقصبة والَّذي أسميناه "مجلس الخُبز" مثل "مجلس الأمن القومي" و"مجلس الوزراء" و"مجلس الحكماء" و"مجلس العلماء" ممَّا تنظِّمه الدَّولة من "مجالس ذات أركان" كما هو المنصوص عليه في "عهد الأمان" لسنة 1857؛ والتأم المجلس المذكور "مجلس الخُبز" يوم 27 جويلية 2023 بحضور رئيس الجمهوريَّة وأوراقه المدرسيَّة ورئيسة حكومته للتَّدابير الاستثنائيَّة ووزيرته للتَّدابير الاستثنائيَّة للماليَّة، في قاعة صغيرة ضيِّقة بالجناح الَّذي حوَّلته رئيسة حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة إلى ما يشبه المخبأ (بونكار) الخاص بها ومستشارتها الخاصَّة وبأعوانها الخاصِّين من دون باقي خدمة الدَّولة من كبار الموظَّفين؛

**- "سيهانوك": باسم الدّيكتاتور الكمبودي الأمير الملك الرَّئيس شريك مجرم الحرب "بول ـ بوت" والمكنِّي نفسه "سيدي بابا" ثمَّ "الملك الأب" وحتَّى "الملك الإلاه" في بعض أجبيًّات التَّزلُّف الكمبودي وهو المعروف بالاضطراب وعدم الاستقرار النَّفسي و"التَّشقلب" واللَّعب على كل الحبال والتَّحالف مع الشَّيطان من أجل البقاء في الحكم، والَّذي اختارت رئيس حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة وضع لوحة رسميَّة له في قاعة جلساتها الخاصَّة الَّتي حوَّلتها لخليَّة أزمة تحت حراسة طلاسم قدوتها ومثلها الأعل "سيهانوك" في استفزاز للشَّعب وإهانة للجمهوريَّة وللدَّولة وخرق للسِّيادة)؛

***- "قصر القصبة" مقر رئاسة الحكومة، أحد أقدم قصور الحكم في العالم؛

****- من لينين يتلوه ستالين ثُمَّ تباعا إلى السِّكير إلتسين: القادة المتعاقبون للاتِّحاد السُّوفياتي المندثر من النَّشأة للاندثار؛

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات