موسليني.. جورجيا ميلوني و ابتسامة الرئيس!!!

بابتسامة عريضة، لم نرها منذ مدة طويلة، استقبل الرئيس قيس سعيد، رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي ،جورجيا ميلوني .. وأخيرا ابتسم الرئيس العابس والمتجهّم طوال الوقت في وجه السيدة ميلوني وهو الذي لم يبتسم منذ وقت طويل في وجه شعبه !

وبادلته السيدة ميلوني ذات الملامح الصارمة والنظرات الحادة ،ذات الابتسامة العريضة ..وكيف لا تفعل وهي التي وجدت في الحوض الجنوبي للمتوسّط الحليف المثالي، بعد أن دار الزمان دورته ، ولم تعد روما العدو الذي تحطّمت عليه آمال قرطاجة العظيمة يوم هرب الحلم من القائد حنبعل ..

بالأمس كان هناك حكايات مثيرة تروى عن المتوسّط ذلك البحر الذي تتجوّل فيه أساطيل العظماء راسمة الأمجاد الغابرة لإمبراطوريات صنعت التاريخ ونسيت أن تكون عادلة ..اليوم لم يعد في المتوسّط ما يثير الا تلك الجثث التي تتكدّس في عمقه .. أولئك الذين ينتهون جثث تطفو دون عنوان في الرحلة الأخيرة ..حيث لا قبور ولا شواهد ولا شهود على النهاية الحزينة الا اسماك القاروص والدنيس الذين يشيعون الغرباء الى قاع بحر ..

ويا لنهاية الغرباء القادمين من مدن البؤس والسواد في الجنوب بحثا عن حلم ضائع في الشمال !

ومن الشمال المتعجرف تأتي السيدة جورجيا ميلوني في زيارة خاطفة لساعات .. السيدة الصارمة التي أربك فوزها أوروبا في الانتخابات الإيطالية بدت ودودة اليوم ..وهي التي خاضت معركة انتخابية شرسة وصعبة وتمكّنت من اقتلاع مكانة لم يكن ليحلم بها "اخوة إيطاليا" في قيادة دولة في حجم إيطاليا.. ولكن ميلوني استطاعت أن تصفع أوروبا الناعمة التي تجلس على طاولة السياسة الدولية وهي في كامل أناقتها.. ملتزمة بالإتيكيت وبقفازات الحرير لتأكل بهدوء ولكنها لا تجد حرجا في رمي الفتات لدول الحديقة الخلفية !..أتت ميلوني بكل فوضوية وعنف وصرامة ورفض الأحزاب اليمينية لتسقط عن أوروبا قناعها الوديع وتعبّر بفظاظة عمّا يهم سادة الشمال من شعوب الجنوب المسحوقة ..

ميلوني القادمة من الشمال ببزّة رسمية مميزة .. تذكّرنا ببزّات الجدّ الفاشي موسوليني الذي لم تخفي يوما اعجابها وهي التي ولدت في بيت سياسي وعاشت في ضواحي روما الفقيرة وتعلمت كيف تكون ناقمة عن الحكومات الناعمة التي انتهت اليها إيطاليا بعد الخسارة المذلّة التي مني بها الفاشيون في الحرب العالمية الثانية واعدام الفاشي بينتو موسيلني مع عشيقته كلارا في مدينة ميلانو وهي القائل " اتبعوني كلما تقدمت بكم الى الامام اما اذا تراجعت فأقتلوني" ..وقد قتلوه في نهاية لا تليق الا بالطغاة !

وها هي السيدة ميلوني التي وصفت الجد الملهم موسيلني بأنه سياسي جيد وفعل كل ما فعله لصالح إيطاليا لا تدعو إيطاليا فقط لأن تتبعها في قضية المهاجرين وهي التي تعاديهم في العمق بل تضغط على كل أوروبا من أجل ذلك بتسويق خطاب شعبوي يخدّر شعوب الجنوب ويجعلهم ينتشون بكلماتها المؤثرة ولكن هل تفكّر ميلوني في أولئك البؤساء الذين يقطعون المتوسّط في قوارب الموت من أجل فرصة حياة ..

تشبه ميلوني الرئيس قيس سعيد أو الرئيس يشبهها في مهارة صنع الأعداء ووضعهم محطّ الهاء عام واستغلال ذلك لتمرير ما يجب تمريره !

كلاهما يعرف كيف يتلاعب بمشاعر الجماهير .. كيف يصنع غيبوبة مؤقتة ..كيف يحرج الخصم حتى لو كان أكثر عقلانية ومنطقية .. فكلاهما يخاطبان الشعب بما يريد أن يسمع لا بما يفترض أن يسمع ..

لن ينسى العالم مشهد السيد ميلوني وهي تسلخ الغرّ ماكرون في حفلة شواء سياسي من أعلى مستوى ..وهي تمسك بصورة ذلك الطفل البوركيني وترفعها عاليا و هي تلك كلماتها كنصال السكاكين في خاصرة فرنسا المثخنة ،متحدّثة كيف يحفر أطفال بوركينا فاسو الأرض بأيديهم لاستخراج الذهب من المناجم ليُرسل ذلك الذهب بعد ذلك الى فرنسا الاستعمارية التي تسرق ثروات الشعوب الافريقية وعندما يأتي اليها الافارقة تطعمهم من المزابل !

الحل ليس اخذ الأفارقة الي دول أوروبا الحل هو تحرير أفريقيا من الدول الأوروبا..تصرخ ميلوني ..

ويتردد صدى الصرخة في شعوب الفقر والثروات المنهوبة ولكن بأي ثمن ستتحرّر افريقيا وهل يمكن أن تتحرّر فعلا وهي تعجز عن صناعة ضماد طبي لتضميد الجراح ..جراح الاستعمار والغبن والاحتقار الذي لا تخفيه ميلوني ذاته !

وتجد كلمات ميلوني طريقها الى قلب من يشبهها في الأفكار ومن يبدي استعدادا لإسعاد البشرية جمعاء وشعبه كئيبا .. من يحلم بأن يكون زعيما في شمال قارة غاضبة لم يقهرها الا زعماء من ورق صنعوا مجدهم بجراح شعوبهم !

أنا جورجيا.. انا امرأة.. انا أم .. انا إيطالية.. انا مسيحية ..ولا يمكن لأحد أن يسلبني ذلك..

تصرخ ميلوني في جولة الحسم الانتخابي الذي تسلمت فيها مفاتيح إيطاليا..

لكن إيطاليا التي تريدها ميلوني ..ليست إيطاليا السحر والجمال وجورجيو أرماني ومالديني ومونيكا بيلوتشي إيطاليا - نابولي.. مارادونا وأمنيات الحب في نافورة روما .. ولكنها تريد إيطاليا في نسختها الرومانية ..أين تضجّ مدارج الكابيتول في روما بصرخات الجماهير وهم يشاهدون عروض damnatio ad bestias ..أين تنهش الأسود ، أجساد العبيد دون رحمة فينتشي الامبراطور وحاشيته ..يقف نيرون ليعزف أنشودته الأخيرة بعد انتهاء الحريق ..مبشّرا بروما جديدة قد تنهض لتثأر من التاريخ ومن الجيران وتضع تاج الغار مرّة أخرى وتقف على قمة جبل Monte Bianco تراقب المتوسط وتسخر من فرنسا ..جارتها اللدودة التي يقودها ماكرون الى نهايات سوداء !

وكأن ميلوني تقف على الجبل الأبيض ..وكأنها تقلب المعادلة ..وكأنها تصرخ بصوتها الحادّ و الغاضب وتنظر بحدة إلى الجنوب قائلة :

أنا جورجيا.. انا امرأة.. انا أم .. انا إيطالية.. انا مسيحية ..ولا يمكن لأحد أن يسلبني ذلك…

فيأتي صدى صوت غير واثق من احدى دول الجنوب المنكوب :

إنك امرأة تقول بصوت عال ما يفكر فيه الآخرون في صمت....

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات