عام على مجزرة إعفاء القضاة: باب جهنّم الذي فُتح على الناس

تحل بعد ساعات الذكرى الأولى لإعفاء رئيس الجمهورية ل57 قاضيا يوم 1 جوان 2022 بجرة قلم واستنادا إلى تقارير إرشادية بوليسية ووشايات كيدية سرعان ما انفضحت حقيقتها وأهدافها لكن ذلك لم يدفعه للتراجع أو الاعنراف بالخطأ أو محاولة فهم دوائر التحيل والكذب والافتراء والتزوير بالدولة وخصوصا بوزارتي العدل والداخلية...فكان خيار السلطة هو تبرير الإعفاءات لأي سبب كان ولو دون إقناع، ثم تبرير عدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية التي قضت بتوقيف تنفيذ أوامر الإعفاء وذلك بفبركة جرائم خيالية سخيفة لكن خطيرة للقضاة تتراوح بين الإرهاب والتٱمر على أمن الدولة وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة والفساد...وهي قضايا على وهنها ووضوح كيدها وجدت من ينقلها تباعا وخلافا للأصول القانونية والإجرائية من وزارة العدل إلى وكالة الجمهورية، إلى قضاة التحقيق، إلى المجلس الأعلى للقضاء...وهي لا تزال تلاحق القضاة المعنيين بها بالخروقات الاجرائية، وتلاخق القضاة المكلفين بالبحث والبت فيها بالضغوط الرهيبة... لكنها كذلك لا تزال تلاحق فضائحها السلطة في سمعتها وتكشف عدوانيتها وشراستها المجانية والعبثية…

مر عام على المجزرة القضائية ولم يتحقق منها أي شيء مما أريد من الدعاية السابقة لها،

- فلا القضاء تم تطهيره من الفساد كما قيل فقد طالت الإعفاءات في أغلبها أشرف القضاة وأنزههم وأكثرهم تمسكا باستقلاليته فيما تم ادخار وجوه كثيرة بارزة ملتبسة بالفساد وبالتبعية للسلطة السياسية بسبب الولاء والتطبيل…

- ولا سمعة القضاء التونسي تحسنت، بل إنها لم تشهد ترديا أكبر مما ٱلت إليه خلال هذه السنة من تجاوزات قانونية وخروقات إجرائية وفتح قضايا غريبة وإيقافات تعسفية ومداهمات ليلية وإهدار للحريات وإنكار قرينة البراءة والعقاب الفوري للقضاة على أعمالهم القضائية واجتهاداتهم في الإيقاف والسراح، وقد نال البلاد من المؤسسات الدولية والأمم المتحدة والاتحاد العالمي للقضاة ومن أكبر المنظمات الحقوقية والقضائية من الانتقاد والتقريع ما لم تشهده طيلة تاريخها...وها أن قضاءنا اليوم يهنأ بسمعة داخلية ودولية في غاية القبح والسوء…

- ولا أداء المحاكم تحسن كما ونوعا وزمنا ولا أعمال القضاة صارت أجود وأعدل، بل إن القضاة أصبحوا يعيشون كوابيس الرعب والخوف والقلق جراء المظالم التي طالت زملائهم المعزولين والمباشرين بالتتبعات التأديبية والجزائية والضغوط السياسية المسلطة عليهم ومناخ الانغلاق والتضييق الذي يخيم على البلاد...ولأجل ذلك توالت التعكرات الصحية والانهيارات العصبية والهروب من الملفات كبديل عن الإذعان للتعليمات…

لم يتحقق شيء للسلطة مما روجته قبل الإعفاءات ومعها وبعدها، بل حصل ما أضمرته ولم تعلن عنه وهو إخضاع القضاة لرغبتها عبر الترهيب والتخويف للسيطرة والتحكم في الفضاء العام وخنق الحريات وضرب خصومها السياسيين واستهداف الناشطين والمنتقدين لسياستها وهاهي القضايا تتوالى لتشمل بالإيقاف تقريبا أهم القيادات السياسية والحزبية في البلاد وعديد الناشطين، وهو هدف مؤكد للسلطة لكنه هدف غير معلن وغير مشروع يتم على حساب المبادئ القانونية والإجرائية وعلى حساب سمعة القضاء ومصداقية القضاة ومؤسسات الدولة

ومستقبل العدالة في البلاد…

عام مضى بعد الإعفاءات حدث خلالها من الغرائب والعجائب والسوابق ما لم يحصل في غيرها...تكفي الإشارة إلى بعضها لنرى حجم التردي:

- أمر إعفاء القضاة صدر في نفس يوم صدور المرسوم عدد 35 الذي يمنح لرئيس الجمهورية سلطة إعفاء القضاة دون مهلة زمنية ضرورية قانونا لنفاذ المرسوم...وقد سبقه بسويعات خطاب متلفز للرئيس يعدد فيه المٱخذ والاتهامات المفترضة للقضاة قبل أن يتبين لاحقا وهنها وعدم جدية عدد منها وخلفياتها الحقيقية…

- المرسوم عدد 35 ينص على إثارة الدعوى العمومية وجوبا ضد القضاة الواقع إعفاؤهم ويمنع عجبا عليهم الطعن في أوامر الإعفاء إلا بعد صدور حكم جزائي بات...في إنكار فاحش وبلا نظير لقرينة البراءة ومبدأ ملاءمة التتبع وحق النفاذ للعدالة

- الإعفاءات جوبهت بمعارضة قضائية شاملة وموحدة لكل الهياكل والمحاكم والقضاة تجسدت في إضراب لمدة أربع أسابيع ثم اعتصام بمقر جمعية القضاة فإضراب جوع خاضه خمسة قضاة بنادي سكرة دام أكثر من شهر كاد يودي بحياة بعضهم لولا أن تم رفعه اضطرارا وبتدخل طبي…

- المحكمة الإدارية تصدر قرارات بتوقيف تنفيذ اوامر الاعفاء في حق 49 قاضيا ووزارة العدل ترفض تنفيذ الأحكام ورئاسة الجمهورية تلتزم الصمت من وقتها...في تصديق واضح على ممارسة خارقة للقانون ولوعده الشخصي الضمني لكن الواضح بالامتثال حين وجه القضاة للتقاضي الإداري عند سؤاله عن أزمة الإعفاءات…

- بعد صدور قرارات المحكمة الإدارية ضاقت السلطة بالترحاب الكبير الذي لقيته وبالاحتفال الضخم الذي نظمه القضاة بنادي سكرة بعد عناء التحركات وإضراب الجوع وتحدثت مصادر كثيرة عجبا عن تغير التعاطي الرئاسي مع الأحكام لمجرد إقناعه بالطبيعة الاستفزازية للاحتفال، وسارعت وزارة العدل بعد أيام فقط من صدور الأحكام وعلى عجل غداة الحفل المشهود وبقصد تبرير عدم التنفيذ إلى إصدار بيان يوم عطلة والحديث عن تتبعات ثم عمدت إلى اغلاق مكاتب عديد القضاة المعزولين ونغيير اقفالها وافتعال قضايا جزائية مضحكة لكن خطيرة لهم واقترفت كما هائلا من الخروقات القانونية والإجرائية…

- القضاة المعزولون يشكلون هيئة دفاع ويتقدم 37 منهم بشكليات جزائية ضد وزيرة العدل في تعطيل تنفيذ قرارات من له النظر وفي الفساد لم تتحرك إلى الٱن رغم التذاكير العديدة…

- لأول مرة في تاريخ تونس لا تصدر الحركة القضائية إلى انتهاء الموسم القضائي تقريبا، وقد سبق لمجلس القضاء المؤقت تقديم مشروع الحركة للرئيس تتضمن إعادة إدماج القضاة المعزولين بها تنفيذا لأحكام المحكمة الإدارية لكن رئيس الجمهورية يرفض إصدارها إلى الٱن...بالقضاة المعزولين أو بدونهم…

- السلطة السياسية تباشر حملات متتالية ضد خصومها السياسيين في ما سمته قضية التٱمر على أمن الدولة وغيرها ويتم إيقاف عدد من قادة الحراك السياسي ضد الانقلاب وغيرهم من قادة الأحزاب دون أن تفصح النيابة العمومية عن حيثيات القضية وسرديتها أو تجيب عن التساؤلات المشروعة في ظل حديث هيئات الدفاع عن خواء الملفات وافتقاد الأدلة وارتكاب خروقات قانونية كبيرة فضلا عن ملاحظتهم المتكررة الخوف والارتباك الكبير على القضاة المتعهدين بالملفات…

- تتالي القضايا ضد المعارضين والناشطين والنقابيين والقضاة وحتى المواطنين والطلبة على خلفية حرية الاجتماع والتعبير والتدوين وضاق الفضاء العام وتتالت الفضائح القضائية وخرق الرئيس في كثير من خطبه أصول المحاكمة العادلة والمبادئ القانونية الدنيا بوصف متهمين بالمجرمين والإرهابيين وباعتباره اطمن يبرئ المتهمين بالشريك في جرائمهم مما فاقم الأوضاع والانتقادات إلى أن أتيحت له فرصة التدارك وصياغة خطاب عن أولوية الحرية وعن رفضه الظلم ومطالبته بالإفراج عن طالبين موقوفين من أجل أغنية ساخرة من التعسف الأمني بعد أن سبق لنفس الدائرة أن رفضت الافراج عنهما قبل يوم فقط…

- في خضم الحملة ضد السياسيين يتم اعتقال القاضيين بشير العكرمي والطيب راشد بطريقة استعراضية وفي ظروف مريبة وبارتكاب خروقات قانونية وإجرائية جسيمة خصوصا ضد بشير العكرمي ووصلت إلى حد تعهيد البحث للفرقة التي سبق للعكرمي ان اكتشف وبحث في جرائم بعض أعوانها بالتعذيب والتدليس قبل سنوات، وإلى الإثارة الحينية للشكايات القديمة الواهية والإيواء بمستشفى الرازي تحايلا على قرار إبقائه بحالة سراح مرورا إلى الطريقة الملتوية في إخراجه من مستشفى الرازي…

- وزيرة العدل وخارج كل اختصاص قضائي تتولى تسديد الشغورات وإسناء خطط وترقيات في عدد من الوظائف القضائية الهامة بمجرد مذكرات عمل في سابقة خطيرة وتعيينات غير قانونية و شفافة ومريبة وتستند لمعيار القرب من وزيرة العدل وفي تعد واضح على اختصاص مجلس القضاء المؤقت وفي استباق للحركة القضائية التي قد تصدر بعد أسابيع…

كل الانتهاكات الحاصلة في القضاء اليوم وفي المحاكمات هي نتيجة مباشرة لعزل 57 قاضيا قبل عام وقبلها لحل المحلس الأعلى للقضاء الشرعي…بعدها فُتحت كا الأبواب للتجاوز ولخرق القانون وللتعدي على كل الحرمات، وما كان للسلطة أن تفعل ما تفعله اليوم في حق المنتقدين والناشطين في الفضاء العام لو لم تبسط يدها على القضاء بحل مؤسساته الدستورية والشرعية والمنتهية وباستهداف خيرة قضاته وأكثرهم تمسكا باستقلاله وبمواقفه وبتطبيق القانون…

مر عام على مجزرة الإعفاءات ولا يزال القضاة المعزولون قضاة لكن لا يعملون ولا تعترف السلطة المكابرة بالأحكام الصادرة لفائدتهم، ولا تزال السلطة تعاني في إقناع الناس بمشروعيتها وفعاليتها، ولا تزال العدالة في حداد ولا يزال القضاء يعاني الأمرين ويعيش أجواء خانقة كئيبة جراء الاستهداف المتوالي للقضاة المباشرين من السلطة والذي ترافقها فيه صفحات العار والفتنة والتشويه التي لا تطالها العدالة رغم كثرة الشكايات ومعرفة المتورطين…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات