أنا وعماد والسواسي التّي لا تغيب عنها الشمس!

عماد جمعتني به جوامع كثيرة، فنحن أبناء منطقة واحدة ودم واحد، وكنّا أيضا في معهد واحد وفي نفس المبيت كذلك. كنّا من نفس الجيل، جيل التسعينات الذّي نشأ وترعرع في الديكتاتورية. كان وعيُنَا السياسي مختلفا (فكرا وتوقيتا)، فهو من بيت سياسي، مارس السياسة مبكّرا في صلب التجمع حتّى لمع نجمه. أمّا أنا فلستُ كذلك، إذ لم يؤثر عن أهلي اهتمامهم بالسياسة عدا ما يفعله عامّة الشعب (يتبعوا تَبَعْ)، لذلك فقد عَرَفَ الطريق عن أهله وعرفتُ الطريق منفردا.

حين كنّا في المعهد وفي المبيت كان عماد يحبّ المسرح وشكّل ثنائي مسرحي جميل مع صديق آخر (عادل) حيث قدّم الاثنان عددا من السكيتشات في تلك الأمسيات التّي كان يُقيمها لنا قيّمو وقيّمات المعهد. أمّا أنا فكنتُ مغرما بالعربية وأحفظ أشعار الغزل ثمّ أقضي يومي أُشَبِّبُ ببنات السواسي.

تتالت الأيّام وسار كلّ منّا في طريق، فذهب عماد إلى الكاف وذهبت إلى صفاقس. فعاد شيوعيّا وعُدتُ بنقيضه، عاد بشهادة في المسرح ورجعت بشهادة في القانون ثمّ وظّفته الدولة أستاذا للمسرح ولم تفعل معي نفس الأمر، فصار هو مواطنا صالحا وبقيتُ أبحث لي عن مكان في الأمّة التونسية. وقد كنتُ أستغرب كيف نجح في التسلّل إلى الدولة رغم إنّه معارض مثلي؟ أو هكذا تخيّلت.

بدأتْ ماكينة التجمّع تحتويه كما حاولت معي، فقبلتها نَفْسُهُ وأنفتْهَا نفسي رغم الاغراءات وقتها لشابّ يبحث له عن مكان في وطنه.

لكن مع ذلك فقد بقيَ كلّ منّا لا يمارس السياسة إلّا همسا حتّى جاءت الثورة. لم نلتق إلّا مرّات قليلة لكن كنّا ننظر إلى الثورة بنفس النظرة، فبدا لي هذا المسرحي ثوريّا راديكاليا لكنّه في الحقيقة كان بارعا في التمثيل فقد تمكّن من أدواته، ثمّ عادت ماكينة التجمّع للعمل بعدما عطّلتها الثورة مؤقّتا، فكان ممن صقلتهم وصعّدتهم حتّى غدا النّائب الوحيد للسواسي في كلّ الأزمنة والأوقات.

أمّا أنا فبقيت ذلك الذّي يشبّب بالجميلات، فاخترت جميلتين جديدتين لم أعرفهما سابقا -الثورة والديمقراطية- فصرت لا أرى إلا بهما حتّى أصابتني خيبة العشّاق التّي أجبرتني على ترك البلد. فخرجت من بلدي خائبا وظلّ عماد نجم كلّ الأوقات، فصال في نداء تونس وجال في قلب تونس وهاهو يضيء مجلس نوّاب قيس حيث اُختير رئيسا للجنة نظامه الدّاخلي.

نسيتُ شيئا تافها، فحين كنتُ أدافع عن قيس سعيد (المرشّح الرئاسي) وانخرطت في حملته ظنّا أنّي أنصر الثورة، كان عماد في الجهة المقابلة يقول في قيس ما لم يقله مالك في الخمر. والأتفه من ذلك أنّي الآن خائنا بمقاييس قيس الجديدة أمّا عماد فمن الشرفاء الذين عُهِدَ إليهم ضبط النّظام الداخلي.

أمّا السواسي فهي تعرف من يُحِبّها بلا طمع!!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات