ما تعرفوهش ...والله لا تعرفوه

أبو العز ...هذه السنديانة التي نهرع الى فيئها في الحر والقر ...هو سيرتنا وسورتنا وصورتنا ...كبرنا معه وحوله والغريب اننا لا نراه يهرم او يشيخ ...منذ شبابنا ونحن نناديه عزالدين او بوالعز وكبرنا وظل فقط "عزالدين" بلا سين مكسورة ...حتى جوهر ودليلة وهم ابناؤه في عمرنا كانوا ينادونه مثلنا ...منذ طفولتهم مثلنا : عزالدين او بوالعز .....

هو فقط " عزالدين " ...بلا سين مكسورة ....لم نعتبره يوما ماضيا ولم نشعر به زمنا يذهب ...كان دوما أمامنا ....كان دوما حاضرا ومستقبلا ....يستمع الينا ونحن صغار مثل تلميذ ثم يشحننا ويملؤنا فكرا وتاريخا ويلقي بنا الى المستقبل مثل معلم امسك بكل أسرار البيداغوجيا ليكون معاصرا كنهر هيرقليطس يتجدد ماؤه كل يوم ....

اوائل الثمانينات في مقهى الكهف يستقبلك وانت شاب تغادر مرابع الطفولة لتدخل دنيا السياسة ...لا يسألك عن "القبيلة" السياسية التي تنتمي اليها ....بل يحضنك مثل زرادشت يفتح يديه مثل غمامة فوق الرؤوس ....يذكرك بموعد الشريط السينمائي في نادي السينما بقاعة بغداد القريبة من مقهى الكهف ...او يرشدك الى محاضرة ...يذكرك فقط بعقلك الذي يجب ان يظل مستيقظا كي لا تحاصره الدغمائيات ...يحدثك عن السجن والتنظيم وتاريخ العمل السري بأسلوب يجعل نصفه فكاهات وطرائف وبحديث لا فخر فيه الا بعضا من عبرة حكيمة : هل رأيتم ؟ لم نفعل شيئا ...كنا فقط نريد تونس حرة حتى نتركها لكم وطنا جديرا بكرامتكم ...افعلوا ما اردتم اذن في زواريب السياسة في اي مدرسة شئتم ..فقط اتركوا عقولكم فقط يقظة قادرة على تمييز الخبيث من الطيب حتى تجعلوا هذا البلد جديرا بكرامتكم ...حكاية بسيطة كهذه ....

من هو عزالدين ؟ ....او بصورة أدق حتى يكون السؤال عن الماهية : ماهو عزالدين ؟ ....لن تظفر بجواب عن ماهية جامدة تماما مثلما لم يظفر هيدجير بجواب عن سؤال الماهية المغلوط ماهي الفلسفة ؟ ....حيثما قلبت عقلك في دغمائياته الكلاسيكية لن ترى عزالدين ماركسيا ولا عروبيا ولا اسلاميا....هو كل ما في هذه السرديات من ضوء وليس فيه شيء من دغمائياتها ....فلتجعله " ليبيراليا" بالمعنى الاصيل للكلمة في جذرها " الانواري الكوني " لكن عليك ان تحذر فتجرد هذه الكلمة من ادرانها الكولونيالية والمترفة ...لأن هذا المواطن الكوني ابوالعز لا يستطيع الا ان يكون مواطن هويته الوطنية يزهو كطفل بانتصارات امته ويغضب لانكساراتها من بغداد الى فلسطين ولأن هذا اليساري لا يستطيع ان يؤمن بالحريات والديمقراطية الا ممزوجة بإنصاف المستضعفين والفقراء في امته …

في كل لحظات الحيرة والانكسارات السياسية والقومية في تسعينات والفينات القرن الماضي كانت طاولة عزالدين تحت الشمس وفوق الارض في ساحة مقهى الكهف ملجأ الجميع ....يلعلع بصوته ...يخاطب الجميع تقريعا وتعبئة ...يقيم كل تجاربنا ...يعرف الصادق منا والكاذب ...لينتصب مرجعية دون انتظار بيعة ...يستشيره الواثقون من صدقهم ويجلسون امامه على كرسي الاعتراف والشكوى من الخيبة في الرفاق فيوجه دون وصاية ويلوم دون قسوة : ألم أقل لك ؟ لا تثق الا في قلبك وعقلك .....ويخشاه المتزلبطون ترتخي عيونهم امامه فنتبادل معه الابتسامات من وراء حقاراتهم ....

كبرنا معه نبتعد وتطوح بنا التجارب وتفرقنا الايام والاجتهادات المتنوعة ثم نجده امامنا في تقاطع فسطاطين ...ينتظرنا على رأس طريق الشرف حين يجب الفرز بين الحرية والطغيان ...الديمقراطية والاستبداد ...العزة والسقوط ....غزا الشيب رؤوسنا ومازلنا امامه مثل تلاميذ يلعننا ويسبنا حين " نخلوض " فنبتسم ونتمتم مثل اطفال اشقياء يضيقون بفرح من وصاية الاب... وتشتعل عيناه فرحا واعتزازا حين يرانا على الطريق السوي ....

لماذا اكتب كل هذا ؟ لا أدري ...كان يجب ان اقول شيئا ذا معنى ....لا أجد معنى لأن أتضامن مع معلمي وهو يواجه حماقات الصغار ...الصغار جدا جدا ....عزالدين لا نتضامن معه ....عزالدين هو ضمانتنا في ما تبقى لنا من عمر ....عزالدين هو من يجب ان يتضامن معنا حتى نتمكن من البقاء على قيد الشرف ....


…

…

…

عزالدين هو من نحرف لأجله النشيد …نشيد بهية ….فنقول له ….الزمان شاب وروحك شابة …هو رايح وانت جاي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات