السفسطائية…

سألني احدهم عن السفسطائية في السياسات العمومية بتونس. فاجبته بأمثلة عاينها التونسيون منذ سنوات:

- عندما يبرر وزريرٌ الرّفعَ في اسعار السجائر بهدف الحدّ من مضار التدخين. في حين ان المسالة هي البحث عن موارد جبائية اضافية عندما فشلت السياسة المالية في ادارة الميزانية.

- عندما يبرر وزيرٌ عدم ترسيم المتعاقدين بسبب عدم اختصاصهم، في حين ان المسالة هي ايقاف التوظيف في القطاع العام لان ميزانية الدولة لا تكفي لذلك وان خياراتها كانت خاطئةً في تثمين العلم والاستثمار في راس المال البشري ودوره في الازدهار والتنمية المستدامة .

- عندما يبرر وزيرٌ عدم توظيف الدكاترة بسبب قيامه بإصلاحات تحتاج الى اختصاصات جديدة، والحال انه ليس له حول ولا قوة فكرية ولا في التصورات ولا في وضع اصلاحات تحتاج هي بنفسها الى ميزانية .

- عندما تبرر الحكومة عدم التوظيف في القطاع العام بسبب انخفاظ الانتاجية وبالتالي ارتفاع كتلة الاجور، والحال ان الدولة لها ادوار اخرى غير الارباح وان مهمتها تكمن كذلك في تأهيل القطاع الخاص ليقوم بدور التوظيف اذا ارادت ذلك.

- عندما تبرر مجموعة من الاقتصاديين الكبار من الجامعات الامريكية والبريطانية -الاسبوع الماضي-قرار الحكومات الغربية تسقيف سعر النفط الروسي بتعلة ارغامها على زيادة انتاج النفط، وبان السعر المفروض عليها يمكّنها من الحصول على ارباح معقولة مقارنةً بتكلفة الانتاج في روسيا، والحال ان هذا الطرح لا يصح الا في واقع سوق تنافسية مُثلى حيث يتكتّل المستهلكون ضدّ المنتج ويرغمونه على التخفيض في السعر. وهذا لا يستقيم في واقع ردود افعال الاوبك التي لم تؤخذ بالاعتبار.

-عندما يفتعل اشباه اعلاميين "مناظرة" لا اساس لها من الواقع التونسي وليست مطلبا شعبيا ولا نُخبويّا ولا علميا بين شيعي وسُنّي، ولا هي محضر اهتمام من اغلبية التونسيين، والحال ان البلد يمرّ بتصحّر ثقافي وتكلّس فكري وتبلّد ذهني غير مسبوق. ونفس ذلك "الاعلامي" يخصص برنامجا في الراديو يعلّق على بودن في حديثها مع الوزير الاول الهولندي، ويأخذه على انه رئيس حكومة اسرائيل، والحال انه من السهل التثبت من عدم صحّة هذه القصة.. فضلا عن تثمين عرّاف القرون الوسطى من قِبل منظمة الصحفيين، وصانعات المحتوى في انستاغرام من هنا وهناك….

قلتُ للصديق، اذا فهمت هذه الامثلة، فليس لك حاجة الرجوع الى الحقبة اليونانية لفهم السفسطائية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات