وكأننا عُدنا الى خمسينات القرن الماضي-بنسبة اميّة تفوق التسعين بالمئة،

لست متخصصا في علم الاتصال والاعلام، لكن السؤال الذي يُطرح هو : "الى اي حد ينساق الناس بسهولة نحو الاشاعات، وهل الى هذا الحد يهون عليهم التفريط في بعض المكتسبات ولو بسيطة ومُكلفة لا محالة؟ هناك كوارث لو تمّ التفكير فيها ربع ساعة ما وقعت، وهناك مواقف لو فكّر صاحبه خمس دقائق قبل التعبير عنها ما قالها….

اكيد ان هناك واقعا موضوعيا مرتبطا بمُخرجات التعليم الضعيفة اجمالا، وبكيان الاسرة الهشة في غالبها، وبالأكلة الثقافية اليومية الفقيرة جدا، و التي يتلقاها الناس الذين ليس لهم من الوقت والجهد الكافيين للتفكير في اشياء خارج عن معاناتهم اليومية من عمل ومشاعل حياتية…

اكيد كذلك ان في واقع التقهقر الاقتصادي والاجتماعي والاخلاقي تصعد اصوات النشاز وتلقى من "يستمتع بها"، والخرافات البالية وتجد من بتابعها باهتمام وينشرها، وتنتشر الافكار السطحية وتجد من يؤمن بها، وهذا ما ثبت في التاريخ وليس هناك سبب لعدم توالده عندنا.

ولكن لم يُذكر ان تجرّء أحدٌ في وسيلة اعلام و"استبله" نفسه وقال إنّ والي بن عروس صديق لبن زيما صاحب الكرة الذهبية، ولا وكالة محاماة تروّج في احدى شوارع العاصمة لافتة "طلِّقْ" لتضمن حسن الاجراءات للطلاق، ولا سباحٌ سبعيني تحدى البديهة واعلن انه شق البحر عَجبًا وعاد الى قواعده سالما بطلا، ولا سياسيٌّ افنى عمره مع اصدقائه في العمل السياسي، وهو يبحث عن منصب، ثمّ يبيع ذاته لدى قططٍ منتقدا اياهم باتعس ما جادت به قريحةُ الرّذّل من نكران -مع الاشارة انه ليس هناك من هو فوق النقد، لكن طريقة النقد تحتاج الى "شوية رجولية ما فيها باس"- ،

ولا اعلامي تطاول على الطبّ مُعلنا انه سيموت تحديداً في شهر ونصف ثمّ ينسى هذا الاعلان ويعود الى بيته فرحًا مسرورًا ويواصل نشاطه اليومي، ولم يكن لايّ كان ان يتصدّر منبرًا ويعلن نفسه انّه مفسّرٌ لأمر ما، لم يخطر ببال اي صُحفي استضافه ان يسأله "ما هو هذا الامر" قبل ان تفسّره-فربّما نفهمه قبل ذلك ونوفّر لك مشقة التفسير،…

وتستمرّ المهازل خاصّة في علوم المناهج، وفي الاخلاق وكأننا عُدنا الى خمسينات القرن الماضي-بنسبة اميّة تفوق التسعين بالمئة، حيث يروي لنا من سبقونا -رحمة الله عليهم- بانه كان في باب سويقة ما يُسمّى "لعّاب حناش" الذي يبهت كل من حضر الاعيبه ويكاد يخرّ له ساجدا مثلما قام بذلك سحرةُ فرعون، وننسى اننا في عهد الرقميات وانتصار العلم على العديد من الوسائل البدائية في البرهنة والاستدلال والتعبير في الفضاء العام والصرامة في التفكير…

اعتقد ان هذه العملية لا تحتاج الى مستوىً عال في علم الاتصال. يكفي منشطٌ واحد، عمل في احدى الاذاعات المحلية طيلة العشر سنوات الماضية، جمع بين الجاهل والعالم في نفس البرنامج، وفتح المجال للأول ان يتطاول على الثاني، ومكّن من متخصص "رعواني" في الغناء الشعبي ان يحلل نتائج الانتخابات وابعادها السياسية، وتمرّس في اختيار الالفاظ، وفي اختيار مناهج بناء الخطاب الساذج والموجّه لصالح جهة ما، وفي تقزيم اكارم القوم وتعظيم اذلّتهم وتبرير مخطئيهم والتغطية على مجرميهم … يكفي أحدٌ للعب هذا الدور بنجاح لكي تمرّ مناوراتُه بأفضل اداء واقصر مدة زمنية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات