ثلاث ملاحظات الى رفيق من حزب العمّال في تونس : أنت و أنا و ج-ل ميلونشون و قيس سعيّد والشعبوية في تونس…

إهداء : الى جرجيس و أهلها

تمهيد :

لا أحيل هنا على رفيق بعينه من حزب العمال، ولكنها طريقة في الكتابة هي والحديث بضمير الأنا المتكلّم في النصّ لا غير. وهي بالمناسبة هنا كتابة تنطبق على رفاق آخرين من اليسار التونسي من تيارات أخرى مع تغيير بعض الكلمات (رأسمالي تابه بشبه مستعمر مثلا ). وإن هدفي من هذا النصّ ليس الدخول في صراع الأحزاب اليسارية التونسية البيني ولا صراع شقوقها الداخلية المتوالدة باستمرار ، بل الدفع بالنقاش الفكري الى أعلى ما يمكن من الوضوح النظري و السياسي حتى عند من أختلف معهم لأنني أحبّذ دائما أن نكون جميعنا متناسقين في التفكير/السلوك السياسي كي يصبح للخلاف معنى ايجابيا يفيد الجميع . وإن أي توجيه 'حزبوي' أو 'شقوي' للنقاش لا يعنيني هنا في شيء اضافة الى حرصي على احترام الجميع في ذواتهم على عكس المرض الأخلاقي السياسي المستفحل تونسيا هذه السنوات .

رفيقي ،

...1- أنت تساند ج-ل ميلونشون في فرنسا دون نقده (حسب علمي مما اقرأ من بيانات علنية قد أجهل الداخلي منها) وأنا دعوت الى 'المساندة النقدية' لقيس سعيّد وأنقده قبل وبعد وصوله الى الرئاسة بطريقتي الخاصة. واسمح لي أن اقول لك ما يلي،وأحيلك على برنامج ميلونشون في الأسفل (1) :

- أنت تعتبر أن فرنسا بلد رأسمالي -امبريالي وأن المطروح فيها ماركسيا-لينينيا هو الثورة البروليتارية التي تتبني الاشتراكية.

-أنت تعتبر أن تونس بلد رأسمالي تابع وأن المطروح فيها ماركسيا-لينينيا هو الثورة الوطنية الديمقراطية التي تبني الديمقراطية الشعبية.

طيب :

لماذا تساند ميلونشون -دون نقد- وهو الذي :

- تربى في صفوف الحزب الاشتراكي الفرنسي ولم يطرح يوما ما ثورة في فرنسا؟

- لا يطرح القضاء على الرأسمالية تماما ويكتفي في الداخل بالمطالبة بتحجيم دور الأوليغارشية المالية فحسب ؟

- يكتفي في الخارج بمطالب حول 'مقاطعات ما وراء البحر' الفرنسية لا ترقى الى اعطائها الاستقلال التام عن فرنسا ، وبمعارضة ما يسميه 'التبعية لألمانيا' و' الخضوع للاتحاد الأوروبي' ، ولا يدعو لا الى سحب رؤوس الأموال الفرنسية من مستعمرات وأشباه مستعمرات فرنسا والبلدان التابعة لها ولا هم يحزنون؟

طيّب،

-أوّلا، لم تدعو الآن الى برنامج الحدّ الأقصى المرحلي عبر'الديمقراطية الشعبية' في تونس و تساند في المقابل من لا يدعو أصلا الى المرور الى الاشتراكية في فرنسا؟

- ولم تسانده - دون نقد - بل وتتبجح بصداقته لتونس وبموقفه النقدي من قيس سعيّد وهو، في نهاية المطاف، اشتراكي ديمقراطي اصلاحي و 'شعبوي يساري ' لا أكثر ولا اقلّ بينما أنت ماركسي -لينيني؟

- لم تعطي نفسك الحق في مساندة 'شعبوي فرنسي' - دون نقده - ولا تعطيني الحق في مساندة شعبوي تونسي ..حتى مع نقده؟

- ألا تنتبه انه - قياسا على منطقك ولكن بالمقلوب - يمكنني حتى مساندة 'شعبوي رأسمالي تابع ' طالما أنت تساند ' شعبوي رأسمالي امبريالي ' ، وأكون افضل منك ،على الأقل، لأنني أساند من أسانده نقديّا بينما أنت لا تنقد من تسانده أصلا؟

- وألا تنتبه أنه، تماشيا مع اعتبارك لي اصلاحيا، يمكن اعتباري أفضل منك لأنني أنا متسق مع وطنيتي الاصلاحية وأساند نقديا ابن بلدي بينما أنت تخون ثوريتك الماركسية -اللينينية الأممية وتساند فرنسيا يعرف الجميع دور بلده -الذي لا يطالب لا بالغاء رأسماليته و لا امبرياليته - في بلادك؟

-وألا تنتبه أنني بتقييمي لقيس سعيد بأنه 'وطني اصلاحي' قد أكون مخطئا في التقييم ولكن قد يشفع لي نقدي له أمام نفسي وأمام شعبي ، بينما أنت تساند ج-ل ميلونشون القومي .

- الرأسمالي-الامبريالي دون نقد له ولن يشفع ذلك لك لا ضميرك الماركسي-اللينيني ،عندما يصحو ، ولا شعبك ، عندما يعرف ؟

- وهل تعرف أنني أنا نفسي - لأنني اصلاحي أيضا - أساند ج-ل ميلونشون ، ولكن نقديّا أيضا، وبالتالي فموقفي في قضايا فرنسا نفسها أفضل من موقفك لأنه متسق مع نفسه ..الاصلاحي أوّلا، وثانيا، لأنه..نقدي في نفس الوقت ؟

2- ثمّ، أنت قد تسخر مني حول 'بوصلتي السياسية في تونس الآن 'بسبب 'إنسانويتي' التي جعلتني أتبنى هذه المواقف في حين أنني أنقد 'إنسانوية' ج-ل ميلونشون (راجع برنامجه) وغيره عندما تصبح الانسانوية لا تنقد الرأسمالية بينما أنت تدعي الماركسية -اللينية ولا تنقده لا هو ولا انسانويته أصلا.

وأكثر من ذلك،أنت تعتقد أنه لم تعد لي أية علاقة ما بالماركسية في حين أنني أستفيد منها ، ولكن بطريقتي التي قد لا تعجبك طبعا ، وأستفيد حتى من ستالين الذي تدّعي الانتساب اليه أكثر من غيرك وهاك الدليل :

يقول ج. ستالين :

" ان الصفة الثورية للحركات الوطنية، في ظروف الاضطهاد الاستعماري، لا تستلزم بالضرورة وجود عناصر بروليتارية في الحركة، لا تستلزم أن يكون للحركة برنامج ثوري أو جمهوري، لا تستلزم أن يكون لها أساس ديمقراطي.

فنضال الأمير الأفغاني في سبيل استقلال أفغانستان هو، من الناحية الموضوعية نضال ثوري، رغم الطابع الملكي لمفاهيم الأمير وأنصاره، لأن هذا النضال يضعف الاستعمار ويفكك أركانه ويقوضها. في حين أن نضال الديمقراطيين "الأشاوس" و "الاشتراكيين" و "الثوريين" والجمهوريين أمثال كيرنسكي وتسيريتللي، رينوديل وشيدمان، تشيرونوف ودان، هندرسون وكلاينس أثناء الحرب الاستعمارية، كان نضالاً رجعياً لأن نتيجته كانت تزيين وجه الاستعمار، وتثبيت أقدامه وتحقيق انتصاره.

إن نضال التجار والمثقفين البرجوازيين المصريين، في سبيل استقلال مصر، هو لهذه الأسباب نفسها، نضال ثوري، من الناحية الموضوعية، رغم الأصل البرجوازي لزعماء الحركة الوطنية المصرية، رغم صفتهم البرجوازية، ورغم كونهم ضد الاشتراكية. في حين أن نضال حكومة "العمال" الانكليزية لأجل أبقاء مصر في حالة التبعية، هو للأسباب نفسها رجعي رغم الأصل البروليتاري والصفة البروليتارية لأعضاء هذه الحكومة، ورغم كونهم "مؤيدين" للاشتراكية.

ولا أتكلم هنا حتى عن الحركة الوطنية في بلدان أخرى مستعمرة وتابعة أعظم اتساعاً، كالهند والصين اللتين تعد كل خطوة من خطاهما في طريق تحررهما، ولو خالفت متطلبات الديمقراطية الشكلية، كضربة من مطرقة جبارة مسددة إلى الاستعمار، أي أنها خطوة ثورية بلا جدال.

إن لينين على حق في قوله أن الحركة الوطنية في البلدان المضطهدة، لا يجب تقديرها من ناحية الديمقراطية الشكلية ، بل من ناحية نتائجها الفعلية في الميزان العام للنضال ضد الاستعمار، أي لا يجب تقديرها ' بصورة منعزلة، بل في المقياس العالمي' ." انتهى الاقتباس .

راجع ستالين ،أسس اللينينية ومسائل اللينينية ، حول المسالة الوطنية

ستقول لي : هذا مشروط بالاستعمار المباشر وبمقاومته الوطنية ونحن نتحدث عن بلد تابع وعن الشعبوية ، ومعك حق . ولكنني استفدت من روح الفقرة التكتيكي وليس من إطارها التاريخي يا رفيق ،وارجو ان تنتبه الى الفرق بين الأمرين لأنه هام جدا .

هل تدرك ،منهجيا، معنى ان يساند لينين وستالين نضال الأمير الأفغاني ظفرالله خان وهو 'وطني محافظ' وملكي اصلا ؟

هل تدرك ،منهجيا، معنى مساندة البورجوازية الهندية أو الصينية أو المصرية وهي 'وطنية إصلاحية ' اصلا ؟

وهل تدرك ،منهجيا ، في علاقة بميلونشون، معنى نقد لينين وستالين هنا لكل الديمقراطيين المذكورين في الفقرة و بعضهم كان 'بروليتاريا واشتراكيا ' اصلا ؟

هل تربط الآن ذلك، منهجيا، سبب مساندتي الوطنية الاصلاحية، ولكن النقدية، لميلونشون وقيس سعيد على السواء؟

اذا لم تفعل ذلك أشير اليك بأمر اساسي ستنتبه اليه باعادة قراءة الجملة الأخيرة من الاقتباس أعلاه والقائلة " :

' إن لينين على حق في قوله أن الحركة الوطنية في البلدان المضطهدة، لا يجب تقديرها من ناحية الديمقراطية الشكلية ، بل من ناحية نتائجها الفعلية في الميزان العام للنضال ضد الاستعمار، أي لا يجب تقديرها ' بصورة منعزلة بل في المقياس العالمي' ."

وأنا استفيد منهجيا من هذه الفقرة كما يلي :

إن الحركة الشعبوية في العالم (ولكن اليسارية فحسب في المتروبول و الوسطية واليسارية تحديدا في غير المتروبول ) لا يجب تقديرها من ناحية الديمقراطية الشكلية، بل من ناحية نتائجها الفعلية في الميزان العالم للنضال ضد خطر النيوليبيرالية الآن، أي لا يجب تقديرها 'بصورة منعزلة، بل في المقياس العالمي' .

هذا قياسي المنهجي -على بعض الأفكار الماركسية -اللينينية -الستالية أصلا- الذي أعتمده ، وقد أكون على خطأ لأن 'القياس ليس كل المنطق ' كما يقال بالفرنسية (l'analogique n'est pas la logique)

ان فكرتي الأساسية هنا هي التالية :

إن ما ينجز اليوم بالنيوليبيرالية هناك وهنا يعادل في خطورته ما كان ينجز بالاستعمار المباشر، ولكنه لا يتم بهذا الشكل من الاستعمار القديم، بل بالحروب الخاطفة أو الأهلية وبتعيين عملاء على رأس الدول بحثا عن اعادة تقسيم العالم من جديد ولو أدّى الأمر الى التحضير لتدمير شعوب ودول بكاملها من أجل مصالح الطغمة المالية العالمية العابرة للقارات أصلا الآن مع العولمة المتوحشة بما لا يبقي و لا يذر من مجتمعات ودول وثقافات. وانا استشعر وأستبق الامور هنا، ولكن ..كاصلاحي متناسق منهجيا مع نفسه و لا يرى بوادر ثورات جذرية -جديدة - قابلة للنجاح الآن خاصة وأنني أنقد كل أشكالها التاريخية اصلا . وقد أكون على خطأ طبعا ..ولكنني ،على عكسك، لا أدعي لا نقاوة علمية ولا نقاوة ثورية ؛ أنا أجرّب تقريبا في التفكير وأحاول أن أكون اليوم تقدّميّا مفيدا على قدر الامكان لا غير !

وأعود إلى قيس سعيد و25 جويلية تحديدا لأختم .

3- دعنا هنا من النقاش النظري حول الشعبوية - وهي التي، كما يفترض أن تعرف، نقدها ولكن تحالف معها لينين قبل وأثناء ثورة 1905 وبعدها في ثورة فيفري 1917 ثم بعدها في ثورة أكتوبر1917 نفسها بل انه حكم مع الاشتراكيين الثوريين اليساريين بعدها لفترة قبل الانفصال بينهما - وأريد أن أدعوك الى التفكير في ما يلي :

ما معنى أن تقبل ببعض نتائج ازاحة قيس سعيد لمن حكم قبل 25 جويلية و في الوقت نفسه تعتبر ذلك انقلابا على الديمقراطية ؟

أليس ذلك انتهازية سياسية لا مبدئية غير قابلة للتفسير، ولكنها تصلح فقط لتبرير التخلص من 'الفاشية الظلامية' مثلا؟

ألم يكن من المبدئي ديمقراطيا أن تدعو الى إرجاع من كانوا يحكمون ديمقراطيا ووقع الانقلاب عليهم وتدعو الناس في نفس الوقت الى مواصلة النضال ضدّهم بعد عودتهم على أنقاض الانقلاب حفاظا على مسار 'الانتقال الديمقراطي'مثلا؟

ستسألني : لنفترض أن ذلك صحيح . فلم لا تدعو أنت الى ذلك؟

إجابتي هي التالية : أعفيك أولا من فكرة حراك 25 جويلية و استجابة الرئيس له وغير ذلك من التفسيرات التي لا تقنعني أنا نفسي باستثناء وزن عملية مواجهة كورونا وقتها . وهاك إجابتي عن سبب واتجاه ما وقع حسب رايي بكل وضوح :

عندما تكون رئيسا للجمهورية في خلاف مع الأغلبية البرلمانية التي تتحكم في مصير الحكومة حسب الدستور التونسي السابق ، وعندما تعجز تلك الأغلبية عن تشكيل حكومتها الأولى (الحبيب الجملي) ثم تسقط حكومة الرئيس الثانية (الياس الفخفاخ) ثم تدفع رئيس الحكومة الثالثة الى معاداة الرئيس ( هشام المشيشي) . و عندما تعرف أن مسارا سياسيا لعزلك بدأ يصبح هاجسا عند ثالوث النهضة قلب تونس ائتلاف الكرامة و يتم بطريقتين :

أ- العزل النسبي (من خلال قطع العلاقة بين الرئاسة والحكومة ، وتهميش الأحزاب البرلمانية المساندة وقتها للرئيس (حركة الشعب و التيار الديمقراطي) ، و تكرار راشد الغنوشي الدائم لعبارة 'البرلمان هو السلطة التأسيسية' وكأنه رئيس 'المجلس التأسيسي' وليس رئيسا لمجلس تشريعي) وتكراره لممارسته ما سماه 'الديبلوماسية البرلمانية ' الموازية لديبلوماسية الرئيس ووزيرخارجيته ) و

-ب-العزل المطلق ( من خلال الشروع أصلا في جمع توقيعات نواب لعزل الرئيس والتعبير عن ذلك جهرا ، حتى في وسائل الاعلام، من قبل سيف الدين مخلوف عن 'ائتلاف الكرامة' و عياض اللومي عن 'قلب تونس 'مثلا)، فانّه يكون من الغباء السياسي ألاّ ' تتغدّى بخصومك قبل أن يتعشّوا بك' .واترك هنا الخلفية الدولية التي لا معلومات واضحة ودقيقة حولها عندي والتي بالتأكيد لها وزن .

إن 25 جويلية - كحدث سياسي تونسي- كان، بكل 'بساطة' ، انقلاب الرئاسة على الحكومة والبرلمان اللذين كانا يعدّان لانقلابهما الخاص على الرئاسة (و هذه معلومات وليست تحليلا كما قد تكون لاحظت !). ولذلك ، من 'ناحية الديمقراطية الشكلية' -حسب تعبير ستالين أعلاه - ليس قيس سعيّد أسوأ من خصومه في الاجراءات الديمقراطية الشكلية نفسها ؛ فكل منهم كان مع 'الانقلاب بالدستور' على الآخر. أما من 'ناحية الديمقراطية الفعلية' ؛ أي من الناحية السياسية - في اطار 'الميزان العالم للنضال ضد خطر النيوليبيرالية الآن.. في المقياس العالمي' كما ذكرت لك أعلاه - فأنا أعتبر أن قيس سعيد أفضل منهم رغم شعبويته ..التي أعتبرها 'وسطية سياسية' وليست يمينية .

ولذلك ، وحتى لو أنني لم أكن أتمنى أن تصل تونس الى ذلك -بينما أنت مثلا ساندت انقلاب العسكر في مصر في البداية - فإنني أحمل المسؤولية الأساسية في ذلك لهم (ماذا لو أن حكومة الفخفاخ بقيت تعمل فهل كان سيكون هناك 25 جويلية؟) وأساند 25 جويلية - نقديّا بالتحديد - وأنا متناسق مع نفسي حين أدعو الى عدم العودة الى ماقبل 25 جويلية وما قبل 14 جانفي، ولكن دون انحراف تسلطي باسم الشعب وأفهم ما يوجد منه بواقعية ،دون تبرير، كما يلي: قيس سعيد تنتهي مدته الرئاسية الأولى في 2024 والانتخابات التشريعية ستقع في 2022 . وإن احتمال عدم حصوله على أغلبية مساندة له في البرلمان -خاصة وأنه لا ضمانة لديه لعدم مشاركة خصومه في الانتخابات- ستعيد الوضعية الى درجتها الصفر.

وإن ذلك هو ما يفسر نزعته الرئاسوية في الدستور، ولكن هذا التفسير لا يبرّر حتى لو كان انسان من أنصار سعيد المطلقين لأن الدستور الحالي يمكنه -في يد رئيس آخر - أن يؤدّي الى كارثة حقيقية.ولكن من ناحية مقابلة،كان الفشل في تمرير الدستور سيعود بنا الى المربع السابق،وهنا المعضلة الواقعية التي تمر بها تونس بسبب 'توازن الضعف' السياسي. وكما ترى، أنا لا أساند الشعبوية بشكل مطلق، ولكنني أحاول أن أكون منتبها لتفاصيل الواقع وموازين قواه بطريقة براغماتية و اصلاحية إن شئت.

أمّا أنت فتمارس ازدواج خطاب عبر معادلة : 'لا شعبوية لا خوانجية لا دساترة :الديمقراطية الشعبية هي الحلّ ' ( وهي المعادلة التي تساوي بين الجميع بجرّة قلم 'تحليلية' تتمثل في وصف الجميع باليمينية الفاشية أو الفاشستية ) ..في الوقت الذي تقبل فيه ازاحة الشعبوية 'للخوانجية' من الحكم (بما يستبطن عكس المساوة السابقة أو القبول بلعبة تثمين أن تزيح 'فاشية' أخرى من الحكم ، لكن..مع مواصلة الانكار!) ..و هو الازدواج الذي تعوّض عنه ذهنيا وسياسيا بالهروب الشعاراتي الى الأمام (الديمقراطية الشعبية الآن) في الوقت الذي تساند فيه ج-ل ميلونشون (المعارض) في فرنسا دون نقد ( وهو الذي لا يطالب بالاشتراكية .. لا الآن و لا غدا ) - بل ويزور فيه الرجل الثاني من حزبك الحزب الشيوعي الصيني (الحاكم) للتنسيق معه وأنتم من كنتم تعتبرون حتى الصين الماوية نفسها ' امبريالية اشتراكية' - .أنت ترفض شعبوي بلدك وتقبل بشعبوي فرنسا، وهو الرفض الذي لا يبرره كون ميلونشون 'شعبوي يساري' إذا تذكرت ما قيل سلبا في فقرة ستالين أعلاه عن زعماء ديمقراطيين واشتراكيين أروبيين مقابل ما قيل ايجابا 'صراحة' عن الأمير ظفرالله خان في أفغانستان و ،ضمنا ، عن عن 'صن يات صن' الصين و عن حزب 'الوفد' في مصر،الخ.

عوضا عن الخاتمة : ' إمساك بإحسان أو تسريح بمعروف !'

رفيقي ،

أنا لا اطالبك لا بمساندة قيس سعيد المطلقة ولا النقدية ولا بمعارضته الايجابية -الاقتراحية/الاحتجاجية- وأحترم ديمقراطيا معارضتك الراديكالية له ،بل وأثمنها من زاوية ما، لأنها تبقى من حقّك وبالتأكيد ستفيد البلد بشكل ما ، ولو موضوعيا، بتمثيلها 'العاكس اليساري' الذي ينبه 'سيارات ' الشعبوية و مساندتها النقدية و معارضتها الوسطية واليسارية الأخرى الى ما يوجد يسارا ولكنه سقط في 'الزاوية الميتة' عندهم جميعا فيساعد ذلك على العودة الى 'جادّة الطريق' ..التي ليست هي الشعبوية بالتأكيد ..ولكنها لا يجب أيضا أن تكون'الديمقراطية الشعبية' الكلاسيكية - على الطريقة الألبانية عندكم سابقا - حيث القائد الملهم والحزب الواحد والفكر الواحد .. حتى الانهيار! يا رفيقي 'إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع' تونسيا الآن من حيث الامكانيات، وإنسانيا الآن من حيث الأفكار..وحزبك يقول الآن وهنا :

'' الخلاص في منظومة جديدة : جمهورية ديمقراطية شعبية وحكومة ثورية...'!.فهل يا ترى ستشكل ' الحكومة الثورية ' مع حلفائكم اليوم( القطب،التكتل، الجمهوري،والتيار) ام هم أنفسهم ليسوا ثوريين ولا ' ديمقراطيين شعبيين'؟!

إنني أطالبك بشيء آخر تماما : أن تكون متناسقا مع نفسك ومع احداثياتك التاريخية والفكرية وأنت تعارض في تونس حتى يعرف الانسان مع من وكيف يتحاور فنأتلف أو نختلف على أسس واضحة و بأخلاقية-سياسية عالية تطبق ،مجازا، مبدأ ''امساك بمعروف أو تسريح باحسان'' العربي الاسلامي القديم حتى سياسيا عسانا ننفع الشعب والبلد . واحذر أن تسخر من هذا المجاز : إنه يشير الى مجاز علاقة الطلاق الذي استعمله لينين في 'حق الأمم في تقرير مصيرها' حول الاعتراف بحق الانفصال القومي المتوازي مع الدعوة لوحدة الأمم والشعوب وأنا هنا أستعمله 'معرّبا' حول العلاقة بين 'اليسارات' التونسية التي لم تفلح يوما لا في 'امساك بمعروف' يساري ولا في 'تسريح باحسان' يساري !

رفيقي ،

سأنتظر حصولي على كتاب الرفيق حمة الهمامي حول الظاهرة الشعبوية في تونس كي نواصل النقاش بشكل أفضل بالتأكيد فلا تستعجل الردّ إن شئت ولا تفسده بالسجال إن فعلت وكن بخير الآن.


الهوامش

-1 رابط برنامج ج- ل ميلونشون في فرنسا
https://melenchon2022.fr/…/11/AEC-novembre-2020.pdf

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات