اعتقد ان تونس مجال خصب للبحث الفلسفي والتاريخي والاجتماعي والانثروبولوجي: كل الشعوب التي تشهد هزّات كبرى ، كأن تتعرض للاجتياح او تحدث بها انتفاضة او انقلاب، ترُدّ نخبتها السياسية والثقافية بنقد جذري لذاتها، ولأفكارها وسلوكياتها، وهذا ما يُنتج حركية قوية تسمح بميلاد جيل سياسي وثقافي جديد.
في تونس انقلاب احال كل الطبقة السياسية والنقابية والحقوقية على المعاش ولم تر شيئا. كيف يكون الاستاذ والاعلامي والسياسي والنقابي خديما لانقلاب يُمعِنُ في اسكاته واحتقاره وامتهانه؟
يبدو انه علينا البحث في معنى النخبة في فضاءنا العربي وفي وظائفها ونُقارن ذلك بمعنى النخبة كما ظهرت في اوروبا في القرن 18. ظهرت في اوروبا بوصفها قوة نقد للسلطة وللمجتمع القديم وحددت لنفسها مهمة تحديث المجتمع والدفاع عن الحرية، والديمقراطية، والتسامح، والتقدم.
في تونس " النخبة" هي طبقة مخزنية تقوم بنفس وظيفة الفقيه والحَكَواتي في الدولة الحفصية والحسينية، وهو نفس الدور في دولة الاستقلال: " العمل على الدفاع على سياسات الدولة وتقوية الوحدة الوطنية الصمّاء"، وفي عهد بن على تحوّلت الي اوركاسترا خاصة بالتغيير والاصلاح.
كيف لا تكون النخبة مع الديمقراطية وانما مع الانقلاب؟
لان الديمقراطية نظام يُتدَاوَلُ فيه على السلطة، يعني يتغيّرُ فيه الرئيس والطبقة السياسية، وهذا لا يسمح بغنيمة ثابتة مقابل خدمات مخزنية قارّة. ولان النخبوي التونسي ليس سليل الحداثة وقيم الحرية وانما حفيد الفقيه والمُفتي لذلك لا تعنيه ابدا الديمقراطية وانما يُفضّل سلطة فردية تدوم حتى يقوم ب" استراتيجيا لحياته" كما كان في عهد بن بورقيبة وبن علي: ينخرط في طلبة التجمع لكي يجد عملا عند التخرج، ثم يعمل وينخرط في الشعبة المهنية ، ثم يتدج في معارج " النضال" الي ان يصل الي اللجنة المركزية، وهذا بالطبع يُرافقه تدرجا مهنيا، يبني منزلا، ويُشغّل اقاربه، ويسافر ، وقد ينتهي سفيرا او وزيرا. هناك مسار وخُطّة اساسهما ثبات السلطة. اما في الديمقراطية فالأمور غير واضحة.
خلال الاجتياح دخل صدام منزل احد اصدقائه وسأله" ماهي مواقف الناس" فقال له " ... اما الذين حصّلوا امتيازات من الدولة فهم ينتظرون الي اين ستؤول الامور حتى يقوموا باستراتيجيا، معك ام مع التحالف"