اتحادنا.. اتحادنا…

(قياسا على مقال جميل كتبه أواخر الثمانينات المفكر هشام جعيط في اليوم السابع بعنوان : جامعاتنا جامعاتنا ).

كتبت بعد مسرحية 25 البائسة مباشرة أن الاتحاد سيلتحق بصف معارضة الانقلاب حتما. وأنها حكاية وقت لا أكثر. موقف بسيط لا يحتاج عبقرية لأنه مبنيّ على معطيين بديهيّين :

الموقف الرسمي للمكتب التنفيذي للاتحاد المساند للانقلاب حينها كان موقف القوميين والوطد المهيمنين على الاتحاد.. موقف تحمّس بفرح مجرم لا ساذج لحل البرلمان وطيّ صفحة الديمقراطية فقط لأنها جاءت بالإسلاميين إلى الحكم (والحال أن النهضة كانت في طريقها إلى الذوبان انتخابيا من تلقاء نفسها) . كان موقفا ايديولوجيا مجرما في حق الاتحاد وفي حق البلاد.. عمت فيه عيون هذين الفصيلين عن حقيقة الانقلاب المعادية للثورة والديمقراطية.. ولمصالح العمال والفقراء كما ستنتبه قيادة الاتحاد بعد فوات الأوان.

المعطى الثاني هو "عقل الاتحاد التاريخي" الذي يدرك أن المناورة السياسية تقف حين يصبح وجود الاتحاد نفسه مهددا. الآن.. يعود الاتحاد تدريجيا إلى صف الثورة. ولكنه يعود ضعيفا جدا.. ويكابر.

مؤخرا، كتب سامي الطاهري (الناطق "السياسي" باسم الاتحاد) تدوينتين نموذجيتين في فهم هذه العودة الضعيفة والمكابرة.

الطاهري عبّر عن صدمته (لا غضبه) من تصريح وزير اقتصاد الانقلاب الذي قال أن مشكلة الحكومة "ليست مع صندوق النقد الدولي، بل مع أطراف داخلية" ويقصد اتحاد الشغل الذي يرفض مساندة الحكومة في الإمضاء على اتفاق نهائي مع صندوق النقد بشروط الأخير.. يعني الآن فقط فهم الطاهري أن الانقلاب لم ينه الديمقراطية ويزح النهضة حبا في عيون تنظيمه السياسي أي الوطد وفي عيون هيكل والشفي.. بل أنهاها لأن الديمقراطية تسمح للشعب بصون الحد الأدنى من حقوقه الحياتية.

ولكن الطاهري يكابر.. أضاف تدوينة أخرى لتعويم جريمة مساندة الانقلاب.. فقال أن كل الحكومات، حتى بعد الثورة، كانت معادية للاتحاد.. وهو يعلم طبعا أنه لا يقول الحقيقة.

الإتحاد كان يعامل كل حكومات الثورة من موقع القوة الغاشمة.. قوة تحولت عند بعض النقابيين ( اليعقوبي في الثانوي مثلا) إلى سلاح أرعن اختطفت به قطاعات لتتحول إلى إقطاعات نقابية/ايديولوجية مخرّبة للاتحاد.

يختم الطاهري لائحة اتهامه للجميع وتبرئته لذاته التنظيمية السياسية الايديولوجية التي ورطت الاتحاد في مساندة انقلاب يلتف الآن حول رقبة الاتحاد : " طارت السكرة وحضرت المداينية"…

أنا معك في تحميل الطبقة السياسية مسؤولية ما صرنا إليه من انقلاب مستعد لبيع أصول البلاد إلى المانحين لينقذ نفسه.. معك تماما.. ولكن لا معنى لأن تبرّئ نفسك من نصيبك الأكبر في الجريمة.

تعرف لماذا نصيبك أكبر يا سامي؟

لأن الاتحاد هو فعلا أكبر دفاعات المجتمع التونسي الأعزل من كل وسائل الدفاع.. لا أحزاب حقيقية ولا جمعيات ولا انتظامات مجتمعية صلبة...

كنا نملك اتحادا عماليا فريدا في العالم العربي وافريقيا.. هذه حقيقة.. ولكنه ابتلي بقيادات محدودة التفكير مثلك ومثل الشفي الرديء (الطبوبي نقابي حقيقي، ولكنني لا أطالبه بما أعلم عجزه عنه).

يا طاهري.. كفى مكابرة.

تبا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات