الاتحاد لتبّون" انقِذني من شر اعمالي"

استقبل السيد عبد المجيد تبون، بمقر رئاسة الجمهورية، السيد نورالدين الطبوبي. ماذا يريد الطبوبي من تبّون؟ وماذا تريد الرئاسة الجزائرية حتى تستقبل لاول مرة في تاريخها امينا عاما لاتحاد الشغل وتمنحه استقبالا رسميا؟

دعنا من الاجابات الخشبية التي لم تعد تنطل على احد ، من قبيل" في اطار التعاون وتأكيد اواصر الاخوّة بين ..." علينا ان نفهم ذلك في اطار مخاوف واهداف كل طرف: الجزائر متوتّرة من جهة الغرب ، واستعراضها الاكبر منذ الاستقلال يقول بانها تستعد لشيء.

الطبوبي ايضا متوتر: يعرف جيدا ان قيس سعيد لا يستطيع ابدا ان يتعايش مع اتحاد " يتبورب" على طريقة " العشرية السوداء"، والضربة قادمة بعد الاستفتاء، ويجد قيس الف سبب لذلك، منها انه لابد من تجريعه الاصلاحات كُرها او طوعا. ان رفض قيس سعيد ان يُعطي اي شي او ان يُشرِك الاتحاد في شي- عدا الادوار المُذلّة- دليل على ان الضربة قادمة عندما يحين الوقت.

تَحسُّبا لهذه الضربة كان لقاء الطبوبي مع تبون. وهذه ليست المرة الاولى التي يلعب فيها الاتحاد على التوازنات الاقليمية عندما يجد نفسه مهددا بشكل جدي من قرطاج.

قليل من التاريخ: سنة 1976 كان الوضع في تونس متوترا جدا: ازمة سياسية خانقة ناتجة عن صراعات القصر حول خلافة بورقيبة، ازمة مع ليبيا نتيجة إفشال الهادي نويرة للوحدة مع ليبيا، صراع حاد مع الحبيب عاشور، الذي حاول حزب الدستور الانقلاب عليه خلال زيارته للخارج. ثم هدده صراحة احد رجالات السلطة بالقتل.

كان عاشور يعرف ان الضربة قادمة. من يُنقذه من الهادي نويرة؟ القذافي، الذي لم ينس ابدا لهذا الاخير إفشاله لمعاهدة جربة. في قلب الازمة التونسية الليبية، التي زادها الجرف القاري اشتعالا ينزل عاشور في 15 ماي في طرابلس " بدعوة من العمال في هذا البلد" وفق تصريحه ( انظر وسيلة بورقيبة، اليد الخفية ص198). استقبله القذافي.

بعد اقل من ثلاثة اشهر، وفي قلب الصراع بين الحكومة والاتحاد، ينزل مرة اخرى في طرابلس حيث استقبله القذافي والخويلدي الحميدي. خلال العودة خصص له القذافي طائرة، وحال وصوله صرّح للصحافة " هناك من لا يُعجبهم التقارب التونسي الليبي" ( نويرة) .انضمت وسيلة والمصمودي وبلخوجة لحلف عاشور /القذافي للإطاحة بنويرة.

في 9 ديسمبر ينزل ابواياد ، صديق القذافي في مطار قرطاج.في الليل مأدبة عشاء في منزل بلخوجة حضرها عاشور وابو اياد ثم التحقت وسيلة: الموضوع هو الاطاحة بالهادي نويرة قبل ان يُطيح بعاشور ( انظر الصياح: الفاعل والشاهد، ص 178، سيراس 2012 ).

10 جانفي بدأت الضربة: مليشيات حزب الدستور تهاجم مقرات الاتحاد، ثم الخميس الاسود: 150 قتيل و 400 جريح، واعتقال المكتب التنفيذي.6 فيفري 1978 ينزل القذافي في تونس قادما من قمة الجزائر، وبورقيبة يرفض استقباله.

طيّب، واليوم: لا الطبوبي هو عاشور، ولا تبون هو القذافي، ولا سعيد هو بورقيبة المريض.

ما يريده تبون هو امر اكثر تواضعا: الاستقرار في تونس حتى يلتفت للغرب مُطمئنا على خاصرته الشرقية. المناورات التي حدثت في المغرب وشاركت فيها إسرائيل رسالة تهديد للجزائر، والمشكل مع المغرب ليس هو الصحراء الغربية كما يتبادر للذهن، هو اخطر واقدم، وحلفاءها في "حرب الرمال" لم يعودوا موجودين الان. لذلك فاطمئنانها من جهة الشرق امر على غاية من الاهمية، وهي لا يعنيها من يحكم تونس او كيف يحكم اذا كان يوفر الاستقرار.

مع اضافة هامة: ان ينأى بنفسه عن الحلف الفرنسي-المصري- الاسرائيلي- الاماراتي- المغربي، الذي يبدو ان مواجهة الجزائر معه اصبحت مسالة وقت خاصة بعد اعلان اسبانيا دعمها لحكم ذاتي في الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية ، وهو ما يعني ارتياح المغرب من الصداع الجنوبي والتفاتها لتيندوف وبشّار.

كيف يمكن ان يساعد الطبوبي الجزائر في تونس؟ بعدم المواجهة مع قيس سعيد: ان لا يقوم بإضرابات وان لا يقاطع الاستفتاء وان يعترف بنتائجه وان لا يقاطع انتخابات ديسمبر. باختصار: ان يتجرّع الاصلاحات في هدوء تام.

في مقابل ماذا؟ ان يضمن تبون ان لا يضرب سعيد الاتحاد: للاتحاد قضية في محكمة الاستئناف وله ملفات السيارات واموال الصناديق الاجتماعية وسوء تصرف في اموال المنخرطين والاقتطاع الالي.

ما الذي يمكن ان يقدمه تبون لسعيد حتى يقبل هذا؟ فتح الحدود والكهرباء والغاز والاعتراف بنتائج الاستفتاء.

النتيجة: تبون رابح الاستقرار في تونس مع قطع الطريق على العرض الاماراتي لقيس.س: دخول الديانة الابراهمية مقابل فسخ الديون.

سعيد رابح: تحجيم الاتحاد وقبوله بالإصلاحات مع اعتراف الجزائر اضافة لغازها وكهرباءها وفتح حدودها.

المكتب التنفيذي: لا تُثار ضده الملفات وينجو ببدنه من شر اعماله طيلة عشر سنوات وعودة هادئة ومطمئنة للوضعية " السّحبانية". على المدى البعيد ، عندما تدمر الاصلاحات الفقراء والشغالين وتُخوصص المؤسسات ستتحول مقرات الاتحاد الي معابد قديمة لديانة مهجورة، وعلى الناس ان تتذكر الدور المُدمر لهذا المكتب التنفيذي، ليس للبلاد فقط وليس للديمقراطية فقط، ولكن تدمير الاتحاد في حد ذاته.

ويبدو ان هناك مؤشرات على قبول الاتحاد لهذا المسار، منها سكوته عمّا يحدث الان لل" غزالة".سنتأكد اكثر بعد الهيئة الادارية القادمة وبعد الاستفتاء. عندما تُصدر ستّة بيانات مع انقلاب دون ان تُثير شفقته فيلتفتُ اليك، عليك ان تستعد إما للسجن او الإذلال،عندما تُدمر بعقل موتور كنقّار الخشب تجربة ديمقراطية تكون اكبر ضحايا الاستبداد . وسيكون الاتحاد اكبر المتضررين من.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات