لا يكون الإنسان حرا أكثر مما يكون زمن الاستبداد

لا يكون الإنسان حرا أكثر مما يكون زمن الاستبداد (جان بول سارتر بتصرف)

إلى زميلي وصديقي وأخي ورفيق درب النضال انس الحمادي حمدا لله على سلامتك وعلى تماثلك للشفاء. اعرف جيدا انك تتقلد اليوم المسؤولية في أصعب المنعرجات في تاريخ الوطن العزيز، في زمن الارتدادات...أوقات عصيبة تأخذ من الفكر و الأعصاب ما لا يمكن للجسم ان يتحمله أحيانا للحفاظ على استقلال القضاء بأمانة وشرف.

لم تضع بوصلتك...فاستقلال القضاء لديك قيمة كونية ومعاييره صارت اليوم معلومة مسطرة في المواثيق والدساتير و في ضمير الإنسانية ولدى كل مواطن حر نزيه. ولا يمكن للقيم الثابتة الكونية وذات البعد الإنساني أن تتلون أو تتغير بتغير الحاكم وصاحب السلطة. تلك القيم الخالدة خلود فكرة العدل باقية وسيعبر الحاكمون جميعا كما عبر غيرهم وأمسوا نسيا منسيا. سيبقى صمودك بقاء الثابت في مواجهة الزائل المتحول.

أعلم زميلي أن استهدافك الشديد بسبب ثباتك في الدفاع على القضية في زمن عز فيه المدافعون عنها إنما كشف لعموم القضاة وللرأي العام مرة أخرى عن طينتك، طينة الأوفياء الثابتين غير المفرطين الذين لا تزعزع الأعاصير ثباتهم.

كان نضالك خالصا للمبدأ والنضال . فما كنت باحثا عن ربح او غنيمة شخصية فما نظن أن من يبحث على المغانم والوجاهة الزائفة يسلك هذا السبيل الوعر فسبل المطامع سالكة، الطريق اليها خضوع للسلطة خدمة وتملقا لها سرا وعلانية.

ما أبعدك عن ذلك وأنت تسير على درب الحق والتضحية دفاعا على كرامة القضاء المهدورة في هذه الأوقات الغائمة! إنك لا تستوحش طريق الحق وإن قل سالكوه.

ننتظر إطلالتك الشامخة قريبا جدا فأنت بثباتك تخط من جديد طريقا آخر لاستعادة المكاسب المسلوبة في دولة الحق والعدل والقانون واستقلال القضاء ونزاهته والتفريق بين السلط والتوازن بينها درءا لكل هيمنة على المجتمع ولكل استعباد "جديد" له.

لست أخيرا ممن ينهكهم النضال على قساوته إنما ما اعتراك كان وعكة عابرة جراء ما بذلته في سخاء غير محسوب وستعود بعدها إلى سالف نشاطك وكما عهدناك صلبا قويا..."ويا جبل ما يهزك ريح ".

أرادوا صنع الفراغ بقوة التخويف والاستعداء فإذا بك في غفلة منهم تصنع سبيل الثقة والأمل لشباب قضاء واعد يتابع ويفهم ويميز وسيفعل الكثير.

ننتتظر إطلالتك من جديد، من أجل يوم جديد آخر ممكن مع زملائك في المكتب و رفاق يقاسمونك الشرف والشهامة والإباء.

أخيرا إنما لا يكون الأحرار أحرارا إلا عندما يدفع ثمن الحرية من الصحة والمصير...لان الحرية ليست حقا فقط .إنها بالأحرى ضرورة والتزام تجاه التجبر والطغيان.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات