محاولة في فهم نظام التفاهة تونسيا : الميديوكراسي بعيدا عن مفهوم الفيلسوف "دنو"

قتل السياسة العالمة / الوقورة ..في اجهاض الثورة. عندما كان " الاستبداد " محترما " كانت معارضته " محترمة.

لا يظهر التافهون في الحكم الا في نهاية العهدة و تبقى المعارضة محترمة لينتدب منها النظام التسلطي نخبة يتجدد بها .

حكم بورقيبة في عهدته الاولى بحزب دستوري يقوده الفيلة بعد ان تخلص من اليوسفيين و اجرى ما يجب من تعديلات في بنية المنظمة الشغيلة بعد عملية تدوير قياداته من بن صالح ثم التليلي و عاشور . و كان الاوتيكا و اتحاد الفلاحين يدور بين اسماء وظيفية ترقت في مدارج النفوذ المالي و مدرسة الحزب و لم يقد الاتحاد النسائي الا نساء ذات وزن من راضية الحداد الى فتحية مزالي .

في المقابل كانت المعارضة مجالا سياسيا تحكمه التيارات الكبرى بسردياتها العابرة للقطرية و لا تسمح للتموقع في قيادتها الا لمن عركته سنوات التكوين الفكري و التنظيمي في الحلقة او الهيكل والخلية وفي ساحات التدريب الفكري و الخطابي في الحركة الطلابية و التلمذية .و كانت المنظمات الحقوقية وهياكل المهن المناضلة لا تقل صرامة في تدوير قياداتها حتى اشتكت الساحة المعارضة مثل الحاكمة احيانا من التهرم مما جعل كل محاولات التشبيب عبر التنظيمات المنشقة و المتناسلة من الهيكل الام تتحرى في قياداتها شبابا او كهولا قادرين اي يكبرون قبل سنهم بثنيان الركبة فكريا و سياسيا حتى يملكوا جدارة " قتل الاب " .

تهرت البورقيبية مع هرم الزعيم وكانت علامات نهاية العهدة تولي التافهين موقع القيادة في غفلة من الفيلة وتكثر النكت و التسريبات فينتهي حكم المجاهد الاكبر و يحصل تجدد نظام التسلط ليعود " العارفون " لادارته بانتدابات جديدة لوظيفيين من المعارضة او من قدماء الحزب لكن لا يتم التسامح ليترقى التافهون حتى اذا حان وقت هرم الدولة فتصبح تفاهات الطرابلسي و نخبها الفارغة المسمار الذي سيدق في نعش " تسلط " عاش بدوره نفس خصائص نهاية العهدة وهي صعود التافهين .

عندما سقط رأس المنظومة بإرادة الناس و بإرادة مجال سياسي غير منظم و لكنه ظل محترما في القصبتين 1 و 2 و في لحظة لم تكن فيه المعارضة العالمة و الوقورة جاهزة بحكم الخلافات التي طرأت عليها بين 2008 و 2010 و بحكم استعادة ممنهجة للاستقطابات بدأت تكر حبات السبحة لتصبح علامات نهاية العهدة اي حكم التافهين هي علامات بدايات عهدة الانتقال الديمقراطي من سنواته الاولى .

باسم الثورة و الشباب و سقف الحرية العالية و سهولة التشكل الحزبي و الانفلات الاتصالي و بكثير من تخطيط غرف المؤامرة اصبح من اليسير ان يرتقي التافهون ممن اطلقنا عليهم عبارة " البدون سيرة سياسية " الى مواقع القرار في هياكل الحكم و المعارضة ولم يسلم حزب ثوري او اصلاحي ..قديم او جديد كما لم تسلم المنظمات المهنية و المدنية الاصيلة من هجمة " دهماء السياسة " و " المخترقين " و منتوجات غرف " الدورات التدريبية للطبقة السياسية الجديدة " و " كوجينة " الطبخات السريعة للقيادات المسلحين بمزاعم الشهادات العالية من كليات النجاح النوفمبري للجميع ( دكاترة و ماستيرات على قفا من يشيل ) و من كوادر " التكنوقراط المزعوم".

وبإعلام نشط بلاتواته السياسية المحاورون السابقون للراقصات و الفنانين و الكوارجية تحولت السياسة الى مجال سهل يرتقي فيه التافهون سريعا الى مواقع القرار في الحكم و المعارضة و اصبحت الجمعيات و اموال المانحين المرافقين " للانتقال الديمقراطي " مدخلا سهلا لصناعة طبقة سياسية جديدة تقرر مصير البلاد بعضها بربطات عنق لامعة لا تناسب عمر لابسيها الصغار و بعضها بقدرات خارقة على القباحة و قلة الحياء السوقي و قدرة نصب خيمات الاعتصامات و حرق العجلات المطاطية للارتقاء سريعا في سلم تقاسم سلطة القرار او مراقبته باسم " المشتمع المدني" او شباب الثورة وصولا الى تفتق العبقرية الشعبوية على من نراهم اليوم في قلب العملية السياسية باسم الحكم و "تسحيح" المسار .كل ذلك بتوجيه محكم من سيستام متصدع أحسن فيه التافهون السابقون من الصفوف العاشرة في كوادره سنوات الاستبداد الثأر لأنفسهم بعد ان ابعدت لهم " الثورة " اعرافهم الكبار .

تلك ببساطة يا سادتي قصتنا .... " شخت عليها " و " خليتها ساعة تستنى" ...نفس الحكاية ...لكنكم تنسون ما جرى في قلب قرطاج و القصبة على امتداد العشرية ...كان انتقالا بدأ بعلامات " نهايات العهدات " منذ ولادته لكنكم لا تعقلون ...و لله الامر من قبل و من بعد ..هبطني هنا عيشك …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات