وسقط رئيس الجمهوريَّة كما كان منتظرا في المحظور

وسقط رئيس الجمهوريَّة كما كان منتظرا في المحظور الَّذي ضبطه لنفسه بحل البرلمان والخروج رسميًّا عن "النِّظام الدُّستوري" وفتح الباب لانتخابات سابقة لأونها وإسقاط روزنامة البناء الفوضوي بتوظيف أجهزة الدَّولة.

1ـ برز رئيس الجمهوريَّة متناقضا مع نفسه بدون بوصلة غير الانفعال وردَّات الفعل، ومتوتِّرا منفعلا تحت سلطان الغضب والأرق، في دردشته الاستهلاليَّة لمجلس الأمن القومي، الَّذي دعاه عن عجل، للتَّعقيب عن قرار البرلمان إصدار القانون عدد 1 لسنة 2022 القاضي بإنهاء حالة الاستثناء وإلغاء الأمر 117 المتعلِّق بتدابير استثنائيَّة (دستور استثنائي صغير للتَّدابير) وباقي الأوامر والرِّئاسيَّة الصَّادرة تحت سلطان التَّدابير…

2ـ فأعلن رئيس الجمهوريَّة عن حل البرلمان بموجب قراءته للفصل 72 من الدُّستور وضمنيًّا للفصل الثَّالث منه... وهو ما يعني رسميًّا فشل وانتهاء سرديَّة مشروعيَّة التَّفسير التَّوسُّعي والمُثير للجدل للفصل 80 من الدُّستور، وسقوط "الحيل الشَّرعيَّة" للتَّحايل على الدُّستور و"قطع شعرة معاوية"مع الدُّستور نهائيًّا…

3ـ وهو أيضا خروج واضح لرئيس الجمهوريَّة عن مواقفه السَّابقة الَّتي أعلن عنها في دردشة سابقة منذ 24 ساعة من أنَّ "الدُّستور لا يسمح بحلِّ البرلمان"…

4ـ بما يجعل قرار رئيس الجمهوريَّة "غير دستوري" على رأي إجماع فقهاء القانون الدُّستوري افي تونس، وفي أقصى الحالات "فوق دستوري" كما أشار إلى ذلك سابقا الفقيه القانوني سي حاتم قُطران.. وفي كل الحالات خروج صريح عن الدُستور، والإقرار رسميًّا بتعليق العمل بالدُّستور بما هو آليَّات دستوريَّة ووحدة متكاملة تُفسِّر فصوله بعضها البعض..

5ـ وسيمثِّل قرار حلِّ البرلمان، وبقطع النَّظر عن مشروعيَّته وسلامته الدُّستوريَّة، سيمثِّل أيضا نهاية مشروعيَّة الرُّوزنامة الفردانيَّة الَّتي أعلن عنها رئيس الجمهوريَّة... فحلُّ البرلمان يعني آليًّا المرور لتنظيم انتخابات تشريعيَّة سابقة لأوانها في أجل بين 45 و90 يوما لا تنقص ولا تزيد، وبالنُّصوص الدُّستوريَّة والقانونيَّة والإجراءات سارية النَّفاذ…

6ـ وحلُّ البرلمان بتعلَّة "تنافي الشَّرعيَّات" ورفض رئيس الجمهوريَّة أيَّة شرعيَّة أخرى غير شرعيَّته "توجد شرعيَّة واحدة" يعني عجز رئيس الجمهوريَّة عن التَّعايش مع الشَّرعيَّة البرلمانيَّة سارية المفعول في النِِّظام الدُّستوري القائم…

7ـ ممَّا يفقد رئيس الجمهوريَّة نفسه أيضا "شرعيَّة الأداء" القائمة أساس على التَّناغم والتَّناسق والتَّعاون بين مؤسَّسات الدَّولة... وممَّا يحتِّم عودة شرعيَّة رئيس الجمهورية نفسها للشَّعب صاحب السِّيادة، وتنظيم انتخابات رئاسيَّة سابقة لأوانها في نفس الآجال الدُّستوريَّة وبنفس الآليَّات القانونيَّة... حيث يمنع الدُّستور والفقه الدُّستوري تغيير القانون الانتخابي في حالات الاستثناء أو حل البرلمان…

8ـ وهو ما يفرض على رئيس الجمهوريَّة دعوة النَّخابين للاقتراع العام السِّرِّي والمباشر للانتخابات الرِّئاسيَّة والتَّشريعيَّة في غضون 45ـ90 يوما بدْا من تاريخ اليوم 30 مارس 2022، واحترام دور الهيئة العليا المستقلَّة للانتخابات والهيئة العليا للإعلام السَّمعي البصري وهيئة النَّفاذ للمعلومة والهيئة الوطنيَّة للوقاية من التَّعذيب وغيرها من الهيآت العموميَّة المستقلَّة في تنظيم العمليَّة الانتخابيَّة، وتحوُّل حكومة الرَّئيس لتصريف للتَّدابير الاستثنائيَّة إلى حكومة تصريف أعمال، وامتناع أعضائها من التَّرشُّح للانتخابات القادمة..

9ـ وهي ما يدعو أيضا رئيس الجمهوريَّة إلى الالتزام بعدم توظيف أجهزة الدَّولة في حملته الانتخابيَّة إن رغب في التَّرشُّح، واحتساب كل تصريحاته منذ الآن 30 مارس 2022 في حصَّة حملته الانتخابيَّة...

10ـ ويستوجب على رئيس الجمهوريَّة أخلاقيًّا الالتزام بعدم المساس بالبناء الدُّستوري طيلة فترة حل البرلمان وتنظيم الانتخابات، ومصارحة الشَّعب ببرنامجه الشَّخصي للبناء الفرداني الفوضوي ليحصل على تفويض أو على رفض شعبي بشأنه بعيدا عن توظيف مقدرات الدَّولة…

11ـ على المستوى الفقهي: أولى نتائج صرف النَّظر عن "الحيل الشَّرعيَّة" للتَّفعيل والتَّفسير التَّوسُّعي للفصل 80 من الدُّستور والتَّنقُّل للتَّفعيل والتَّفسير التَّوسُّعي للفصل 72 تصريحا وللفصل 3 منه تلميحا، هو دخول تونس رسميًّا في حالة "الانقلاب الدَّاتي" بانقلاب مؤسَّسة شرعيَّة من مؤسَّسات الدَّولة على مؤسَّسة شرعيَّة ديمقراطيَّة أخرى منتخبة أو تعليق الدُّستور الَّذي هو العقد الاجتماعي والسِّياسي الجامع من طرف من وصل إلى لسُّلطة بذات الدُّستور…

التَّبعات الخارجيَّة:

12ـ إنَّ لإعلان عن "حل البرلمان" بالتَّزامن مع بعثة تقصِّي أمميَّة عن اللَّجنة الأمميَّة الفرعيَّة الأمميَّة للوقاية من التَّعذيب وبعد ساعات من زيارة المفوَّض الأوروبي لسياسية الجوار والتَّوسُّع وبعد أيَّام من زيارة المبعوثة الأمريكيَّة مساعدة وزير الخارجيَّة للأمن المدني وحقوق الإنسان والدِّيمقراطيَّة وبعد كل خطابات الطَّمأنة ومحاولات "الزَّلبحة" و"الحملات التَّفسيريَّةّ الَّتي قُدِّمت لهم لتسويق "التَّدابير الاستثنائيَّة" تحت سلطان الفصل 80 من الدُّستور، تصبح اليوم في عُداد العَدَم... وسيكون لهؤلاء الشُّركاء آراء أخرى أكثر وضوحا لتوصيف الوضع القانوني والدُّستوري لسلطات بلادنا..

13ـ حيث يعتبر "الانقلاب الذَّاتي" شكلا من أشكال "انقطاع الدِّيمقراطيَّة" و"انقطاع النِّظام الدُّستوري" بموجب آليَّات المواثيق الدُّوليَّة والإقليميَّة الَّتي صادقت عليها بلادنا... وبالأخص آليَّات اتِّحادنا الإفريقي والمنظَّمة الدُّوليَّة للفرنكوفونيَّة…

14ـ وستكون أولى ضحايا قرار "حل البرلمان" هي قمَّة جربة للفرنكوفنيَّة الَّتي كان من المُبرمج سابقا أن تحتضنها بلادنا السَّنة الفارطة قبل أن يتمَّ تأجلها بسبب الجائحة الصِّحِّيَّة إلى فيفري ثُمَّ إلى نوفمبر بسبب الجائحة السيادية والدُّستوريَّة... وقد بدأت المساعي حثيثة لرفض عقد القمَّة تحت سلطان التَّدابير الاستثنائيَّة فما بالك في غياب التدابير أصلا وفي حالة "انقطاع النِّظام الدُّستوري"، وتجري المشاورات إمَّا لتأجيلها من جديد أو لنقلها لبلد آخر سيكون إمَّا رواندا أو المغرب الأقصى، في انتظار ما ستفرزه الانتخابات الفرنسيَّة بلد مقر المنظَّمة والعضو الوزان غربيًّا على الأقل فيها..

15ـ كما ستتضرَّر قمَّة تيكاد للتَّعاون الياباني الإفريقي الَّتي من المنتظر أن تحتضنها بلادنا، والَّتي أيضا بدأت دولة منافسة لنا من منطقتنا في شمال إفريقيا في حملة لاستضافتها بدلا عن تونس أو تأجيلها أو تخفيض التَّمثيل الحضوري فيها…

16ـ كما من المنتظر أن تتصاعد الانتقادات الأمميَّة والدُّوليَّة للمجتمع الدُّولي أمما متحججة ودولات شقيقة وصديقة ومنظَّمات إنتمائنا الإقليميَّة والسِّياسيَّة ومنظَّمات المجتمع المدني الدُّولي والإعلام العالمي، بعد توضُّح الرُّؤيا بصريح العبارة و"قطع شعرة معاوية الدُّستوريَّة" و"حل البرلمان"... وبعد فشل تقنيات "الحيل الشَّرعيَّة لسرديَّة "دستوريَّة التَّدابير الاستثنائيَّة" في تطويع الفصل 80 من الدُّستور، والمرور لفصول أخرى (تصريحا 72 وتمليحا 3) تتضمَّن مبادى عامَّة لا تتضمَّن إجراءات تنفيذيَّة لتطويعها من خارج أيِّ نص أو منطق دستوري وقانوني غير التَّأويل الفرداني المزاجي المتقبِّب لرئيس الجمهوريَّة في صراع وضاح للمصالح بين "جهة التَّأويل" و"جهة الاستفادة من التَّأويل" "جهة تنفيذ التَأويل"، وممَّا يخرج رئيس الجمهوريَّة من دور الحكم ودور الضَّامن للوحدة إلى طرف في "تنازع شرعيَّات" بل وتنافيها الخطير على الدَّولة، ويفقده بالتَّالي شرعيَّة الأداء ومشروعيَّة المَقام ويسحب عنه التَّفويض الشَّعبي المؤقَّت والمحدَّد في نصف العُهدة الرِئاسيَّة..

الكلفة الأخلاقيَّة:

17ـ أضاع رئيس الجمهوريَّة على الدَّولة وعلى الشَّعب وعلى نفسه ثمانية أشهر وخمسة أيَّام (248) في حروب مع جميع "طواحين الهواء"، وفي سرديَّة خاطئة مزيَّفة لتغليف قراره بحل البرلمان بحيل شرعيَّة شكلانيَّة بالية بائسة للإيهام بدستوريَّته، قبل أن يكتشف زيفها بنفسه ويرميها ويتنقَّل إلى حيل وتأويليَّات أخرى أوْهَن بيتا وأكثر هشاشة فكريَّة وأصعب مقبوليَّة دستوريَّة وقانونيَّة وسياسيَّة داخليَّة وخارجيَّة…

18ـ وأطنب رئيس الجمهوريَّة في كشف المستور من ذاته تحت سلطان الأرق والغضب بإبراز شخصيَّة متوتِّرة غير متَّزنة لا تقبل التَّعايش مع المؤسَّسات وتطمح إلى ممارسة فردانيَّة للسُّلطة لا رقيب عليها ولا قانون يردعها ويحدُّها ولا مؤسَّسات وسيطة للتَّداول والتَّحاور والنِّقاش، في أسوأ شكل من الأشكال الَّذي حذَّرت منه حركتنا الإصلاحيَّة الدستورية التونسية الأصيلة: "الحُكم (المُلك) نوعان نوع مُطلق ونوع مقيَّد بقانون"…

19ـ كما استرسل رئيس الجمهوريَّة في استعمال لغة التَّهديد والوعيد والتَّلويح باستعمال وتوظيف أجهزة الدَّول القمعيَّة لفرض قراءته التَّأويليَّة الجديدة... كما أسْهَل في تكرار المغالطات الَّتي مدَّه بها الوزير "نزار 404" للتَّحيُّل الاكتروني على رئيس الجمهوريَّة وعلى إرادة التُّونسيِّين في حكومة الرئيس للتَّدابير عدَّ 120 ألف هجوم الكتروني على "الاشتشارة" الالكترونيَّة الرِّئاسيَّة الـَذي أصبحت "توتما" شبه "وثني" يسرق كل اهتمام رئيس الدَّولة... في حين لم ينطق بكلمة واحدة عن تعرُّض البنك المركزي التُّونسي ومؤسَّسات ماليَّة لأخطر عمليَّة قرصنة وعدوان سيبرني في تاريخ تونس بما يُهدِّد الأمن المالي والسِّيبرني للدَّولة..

20ـ وكل هاته الإخفاقات الأخلاقيَّة والسِّياسيَّة والخروقات الدُّستوريَّة والقانونيَّة تفقد رئيس الجمهوريَّة رصيده من "شرعيَّة الأداء" وتلتهم رصيده الأخلاقي والمعرفي والأكاديمي كأستاذ قانون دستوري يخرق الدُّستور طولا وعرضا ويستحضر من أرواح فضوله ما يشاء ويستبدلها متى شاء وكيفما شاء…

وبعد؟

21ـ على أمل أن لا يواصل رئيس الجمهوريَّة في سياسة الهروب إلى الهاوية وفي إضاعة وقت الدُّولة بحيل "جحْجلوليَّة" أخرى للسَّير إلى الورى "زقَّفونة" والإيهام بالتَّقدُّم وبيع الأوهام… وعلى أمل أن يلتزم رئيس الجمهوريَّة هاته المرَّة بروح الدُّستور على الأقل ويعيد الأمنة للشَّعب صاحب السِّيادة في انتخابات رئاسيَّة وتشريعيَّة سابقة لأوانها في أجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما، على أن لا يتجاوز يوم الأحد 26 جوان الَّذي يوافق لحسن طالع الصُّدف اليوم العالمي لمساندة ضحايا التَّعذيب…

"أفتُؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"، صدق الله العظيم

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات