القانون عدد 38 لتشغيل العاطلين : لا أحد منهم بريء من بيع الوهم للشباب

القانون عدد 38 المتعلق بسن أحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي المكوّن من 6 فصول يمنح العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا الذين بلغت فترة بطالتهم 10 سنوات فأكثر الحق في الانتداب المباشر في القطاع العمومي وفق ترتيب تفاضلي للمنتمين إلى هذه الفئات وبناء على مقياسي سنة التخرج وسن المتخرج شرط أن يكونوا مسجلين في مكاتب التشغيل وفق وثيقة القانون.

وينص القانون على الانتداب المباشر على دفعات سنوية متتالية تستكمل في مدة 4 سنوات سواء للذين طالت فترة بطالتهم أكثر من عشر سنوات أو الذين بلغوا الـ35 سنة ولم يقضوا 10 سنوات بطالة أو بالنسبة إلى تشغيل فرد من كل عائلة يكون جميع أفرادها عاطلين عن العمل أو بالنسبة الى الترفيع في نسبة تشغيل ذوي الإعاقة من 2 إلى 5 بالمائة .

النهضة وحركة الشعب وراء مشروع القانون

كان القانون بمبادرة من 35 نائبا من جميع الكتل تقريبا عدا كتلة الدستوري الحر وتزعمت هذه الكتل حركة الشعب التي كانت من أكثر المتحمسين لمشروع القانون . هؤلاء اعتبروا كلهم عند مناقشة القانون خلال جلسة المصادقة عليه أنه يمثل خطوة هامة لوضع حد لحالة التهميش الذي يعاني منه المعطلون عن العمل من أصحاب الشهائد العليا عبر إنصافهم وفتح الباب أمامهم للانتداب في القطاع العمومي داعين الحكومة إلى التسريع بتنفيذه وتوفير الموارد المالية اللازمة لتسهيل عملية انتدابهم وإدماجهم في سوق الشغل

وتزعمت كتلة حركة النهضة وحركة الشعب هذه الخديعة .

قال نور الدين البحيري إن القانون يعتبر إنجازا هاما لكونه يستجيب لمطالب المعطلين عن العمل داعيا الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها لحل معضلة البطالة ولو جزئيا وفتح باب الأمل وأبواب العيش الكريم لفائدة المعطلين عن العمل منتقدا رفض بعض النواب تمريره وتعطيل مصالح الناس.

صحيح أن بعض النواب عارضوا الصيغة المقترحة لهذا القانون واتهموا الكتل والأحزاب التي تقف وراءه بمحاولة بيع الأوهام إلى المعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا مشيرين الى أنه يتضمن الكثير من المغالطات بأنه سيقوم بتشغيل جميع المعطلين الذين فاقت بطالتهم 10 سنوات دفعة واحدة في حين أنه ينصص على انتدابهم على دفعات طيلة 4 سنوات في حدود الموارد التي تسمح بذلك ضمن الميزانية المحددة من قبل الحكومة.

صحيح أن البعض منهم اشار يومها الى أن القانون يتضمن العديد من المغالطات لكونه لم يحدد سقف السنّ في حين أنه في قانون الوظيفة العمومية يحدد السن الأقصى للانتداب في الوظيفة العمومية بـ40 سنة مؤكدين أيضا إلى أن المعطلين عن العمل لا يمكنهم الانتفاع بأحكام هذا القانون دون أن يكونوا مسجلين في مكاتب التشغيل غير أن هؤلاء جميعا لم يتحملون جزءا من المسؤولية اذ أنهم في آخر الأمر لم يصوتوا ضد مشروع القانون نظرا لحساسيته ونظرا لأنهم لا يختلفون عن النواب الآخرين في بيع الوهم إنهم فقط يختلفون في درجة الوهم الذي يبيعونه للشباب اليائس مع العلم انه لم يصوت ضده احد ، اكتفى بعض النواب فقط بالاحتفاظ بأصواتهم

اما الحكومة التي لم تكن شريكا في مقترح القانون فقد راسلت مجلس نواب الشعب لتعبر عن رفضها لتمريره بحجة أنه لم يتم التنسيق المسبق معها لتوفير وبرمجة موارد مالية تمكن من تغطية كلفة الانتدابات في وقت تعيش فيه البلاد على وقع أزمة اقتصادية وسياسية خانقة غير أنها هي الاخرى لم يتحمل رئيسها مسؤوليته فلم يمارس الحق الذي خوله له القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 افريل 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين فلم يطعن في مقترح القانون رغم انه كان من حقه ان يفعل ذلك.

كلهم مسؤولون عن خداع الشباب

لقد ساهم كل النواب في بيع الوهم للمحرومين سواء منهم من قدم المبادرة و دافع عن مقترح القانون او من عارضه في المناقشة ثم صوت لفائدته او اكتفى بالاحتفاظ بصوته ولقد انخرطت الحكومة هي الاخرى في بيع الوهم عندما صمتت رغم معرفتها بأنه سراب يباع لضحايا ولم تمارس حقها القانوني في الطعن فيه غير ان المسؤولية تلقى ايضا على رئيس الجمهورية الذي كان بإمكانه هو ايضا ان يطعن في مقترح القانون نظرا لأنه يمثل « قانون الأوهام » كما يقول لنا اليوم. ولكنه على عكس ذلك تولى ختم القانون يوم 16 اوت 2020 وصدر بالرائد الرسمي الأربعاء 19 اوت 2020 .

سياسة الوهم والكذب

هكذا هي السياسية عندنا حين تتحول الى خديعة فتورط السلطة التشريعية السلطة التنفيذية في قوانين تظل حبرا على ورق مثل القانون عدد 38 اذ امتنعت الحكومة عن إصدار أي أمر ترتيبي يوضح كيفية تنفيذه ، أو تورط كل حكومة خدمة لأغراض سياسوية الحكومات التي بعدها في اتفاقيات تمضيها تحت ضغط النقابات ثم تعجز عن تنفيذها فتتحول إلى عامل صراع بين السلطة والأطراف الاجتماعية.

فكثيرا ما يتهم النقابيون المضربون الدولة عادة بالتنكر لاتفاقيات سابقة. فلا يجوز لها في نظرهم التنكر لتعهداتها بقطع النظر عن الظرف الذي تمر به البلاد لأنه محمول عليها في كل الحالات أن تتصرف كدولة وأن تصون التزاماتها. ويتمسك هؤلاء بهذا الاعتبار رغم أن الجميع يعلم جيدا أن الحكومات السابقة ورطت الحكومات اللاحقة لأسباب سياسية في اتفاقيات مجزية كانت تعلم علم اليقين عدم قدرتها على تنفيذها وهي قمة اللامسؤولية التي يتصرف بها عدد من المسؤولين لدينا .

فتصرف الدولة باعتبارها مشغلا من جهة وحكما بين كل الأطراف من جهة أخرى كثيراً ما يتسم بالازدواجية. فالحكومة التونسية تمضي عموما على الاتفاقيات الخاصة خارج إطار المفاوضات العامة سواء في القطاعين العام أو الخاص وليس بوسعها تجاهلها مطلقا. ولكنها ومن أجل الحد من فاعلية هذه الاتفاقيات، تحاول الالتفاف عليها من خلال التطبيق. تلك ممارسات دولة غارقة في محنها تعالج معضلاتها بالوهم والكذب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات