في اقتران كوكب النحس زحل بالقمر في الصحافة التونسية

أكثر ما يخيفني وتوقعته منذ زمن هي هشاشة جزء كبير من الإعلام ومسارعته إلى البحث عن عجل بني إسرائيل يعبدون خواره ويقومون صباحا من أجل تمجيد ذهابه إلى بيت الراحة وشتم خصومه لأنهم عبروا عن مجرد رأي مخالف، شيطنة الاختلاف وتبني مقولات سطحية سخيفة لرفض الأسئلة أصلا بقطع النظر عن الحقائق البديهية: "عجبك ما قبل 25 جويلية؟ آش نعملوا بها الديمواقراطية؟ الحرية جلبت الفساد، البرلمان متاع الصفقات والبونية، هذا شعب متاع ديموقراطية..."،

هذا النوع هو نفسه الذي اختفى أسابيع بعد الثورة ثم عاد بوقاحة بمساعدة عدوه المفترض النهضة: "أي، أنا زلم متاع بن علي والتجمع وعملت ثلاثة ديار من فلوس الدولة وتخـ... فيه"، وفعلا، فقد كان الأمر كذلك،

في الأصل، عند حالات الفزع والحيرة، يستجيب الثلث لغريزة البحث عن سيد القطيع أيا كانت هويته من أجل وهم "اسطبل الحماية" وهو الجزء الأكثر نفوذا لأنه يتقن مواهب تسلق السلطة رغم توفر الكفاءة لدى الكثير منهم، لكنهم عموما يزدرونها أو لا يعولون عليها، جزء كبير من هؤلاء كان يصلي بلا وضوء مع النهضة ويشتمها في الحانات بعد صلاة العشاء،

ثم ثلث إيديولوجي خبيث منظم ومغلق يقسم الناس إلى معنا أو ضدنا، جماعتنا الذين جربناهم وندافع عنهم بالحق أو بالباطل، تقسيم على الولاء والمكافأة وهو متنفذ أيضا لأنه يقوم على التخفي ونصب الكمائن وخصوصا يتقن توظيف الثلث الأول والتخفي وراءه، الباقي ممزق بين شوية المهنية العاجزة عن التأثير بسبب حوكمة غير رشيدة إلى درجة الإحباط واليأس، وكثير "ما فاهم شيء" يمثل الغوغاء، تحت شعار "وجدناهم يضربون، فضربنا معهم من أجل الأجر"، وكثيرا ما يتوهم هذا الثلث أنه يمكن أن يلتقي نوعيا مع الثلثين، لكنه عملية لا وزن له،

نحن في زمن تحالف الثلثين الأول والثاني، وهو يشبه اقتران كوكب النحس زحل مع القمر في شهر سبتمبر في ثقافة الفلاحين: مزوحلة، لا ثمة مطر ولا والو، فقط برد جاف "جليدة" قاتلة للنبات في الشتاء، النتيجة: الإنتاج الإعلامي يتميز بتغييب الأسئلة الحقيقة في الصحافة وتغييب الحقائق الثابتة، يتراوح بين حملات الشيطنة والثلب العلني ونشر الأخبار الزائفة، زمن تحس فيه نفسك وحيدا يمكن أن تذهب فيها من أجل لا شيء، ولا أحد يفهم أصلا لماذ "رحت فيها"،

ثمة فيلسوف أحمق، قال يوما لتفسير الجزء الأكثر هشاشة في شعبنا المذكور أعلاه: "ستون ليلة مع سلطان جائر خير من ليلة واحدة بلا سلطان"، وقد تبين أنها أعلى مراحل الشعبوية المدمرة للكرامة والحقوق الفردية والجماعية وأنذل صور البحث عن الخلاص الفردي، لا يخفف منها سوى الحكم على ذي القرنين الذي اقتحم الكونغرس الأمريكي بـ 41 شهرا من السجن، لآخر أمل من الاعتقاد أن القيم العليا يمكن أن تنتصر لنفسها يوما،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات