هكذا نطق.....

"لو كنت شابا لحملت السلاح وجاهدت ضد من حطموا بلادي". هكذا قالها صاحبها بكل ثقة في النفس معبّرا عن غيرته على بلاده والذود عن وطنيته اللتيْن لا يساومه فيهما أحد.

طيّب.

لكن، وفق أي مقياس "حُطمت البلاد"، ومن حطّمها بالظبط؟ ولو حتّمنا بذلك، من هم؟ "النخبة السياسية" المُنتخبة من التونسيين؟ مجموعات الظغط؟ النخبة المثقفة المستقيلة؟ أطراف خارجية؟ كلهم خطّطوا واتفقوا على التحطيم لانّ "تهديم البلاد" يستعصى على كل طرف من هؤلاء بمفرده؟ منذ متى؟ من الانتخابات الاخيرة؟ اذن هو ضدّ كلّ هؤلاء. منذ عشر سنوات؟ منذ ثلاثين عامًا؟ وما معنى "حُطِّمت البلاد"؟ حُطّمت بالمقارنة مع وضعها السّابق المماثل لوضع سويسرا والسّويد؟ طبعا لا. أه، "تحطّمت" بمعنى تأزمت ماليتها العمومية ؟ أو ارتفعت فيها نسبُ البطالة والمديونية والتضخم؟ هل ذلك ما يعني "تحطّمت". لماذا لم يرفع الشباب اليوناني عام 2012 السلاح ، او الشباب في العالم في الازمات الاقتصادية منذ بداية القرن الثامن عشر بسبب مؤشرات اقتصادية تدهورت أكثر مما هي عليه الان في تونس؟ ماهو ترتيب تونس في المنطقة حاليّا من حيث نسبة العجز والتضخم والبطالة؟ على كل، لا فائدة من الحديث عن مشاكل الاقتصاد ومجابهتها لانّ ذلك يبدو غير مُناسب.

"حُطّمت البلاد" بمعنى فيها قصفٌ عسكري بدون "قبّة حديدية"؟ أو أصبح التونسيون في ملاجئ للنازحين كالسودان والاردن والضفة الغربية؟ طبعا، لا. ألا يستطيع الفرد الذهابَ من بيته الى مكتبه خشية ايقافه من الدوريات المدنية المسلّحة مثل نيكاراغوا وهايتي وباراغواي في السبعينات؟ لا، الامر ليس كذلك. يخزّن الطحين في الصيف لكي يقتات منه في الشتاء؟ مستبعد الى حد الان. اعلنتْ بعضُ الولايات في تونس الانفصال عن السلطة المركزية او استحوذت دولة مجاورة على جزء من التراب التونسي؟ لا بطبيعة الحال.

اذن كيف حُطمت البلاد؟ آه، استشرى فيها الفساد؟ غير كاف لتحطيم الدولة الى حد الآن! لكن اكثر من ايطاليا-المافيا قبل ثلاثين عامًا؟ أو كبعض الدول الافريقي؟ لا يبدو الامر كذلك، ويكفي النظر الى ترتيب تونس من حيث مؤشر إدراك الفساد. وهل حمل الشباب الايطالي انذاك السلاحَ ضد "الفاسدين". أبدًا.

اذن لماذا هذه التعابير التي لا معنى لها، والمحرّضة للنفوس الضعيفة والعقول المتكلّسة في ظلّ الازمة الحالية والتشنّج الخانق الذي يحدُوها؟ هل حلُّ المشاكل الدستورية ان وجُدت، يتمّ بالسّلاح؟ هل حمل صاحبُ هذه المقولة السلاحَ في نهاية ستينات القرن الماضي، عندما كان شابًّا، حيث الفساد الاداري وتبذير مقدّرات الدولة في الجهات (انظر اطروحة دكتوراه حسين الديماسي عن تاريخ تجربة التعاضد والفساد الداري). لا اعتقد ذلك.

اذن لماذا؟

هل استُوفيت الحُجج العقلية والبراهين العلمية وحان وقت المرور الى حمل السلاح؟ لو فرضنا انه كان مقتنعا بما أسماه "جهادا"، هل كان سيشنّ حرب المُدن أم يتّجه الى الجبال بمُفرده معلنا العصيان المسلّح أم مع مجموعة؟ من كان سيموّله في "جهاده"؟ ما هذه الافكار الفاقدة للحكمة؟ اليست مزايدة على الوطنية والدفع نحو الأسو؟ الا يُحاكي ذلك شوفينيةً على شكل المانيا هتلر وايطاليا موسوليني في الثلاثينات، أو يخضع الى أدبيات التيار الفوضوي المعروفة ذات الخطر على واقع البلاد ومستقبله؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات