قيس سعيد وبعض أساتذة القانون في تونس " العزري أقوى من سيدو "

صباح يوم 25 جويلية 2021 خرجت الى الشوارع مظاهرات ترفع شعارات ضد الحكومة وضد البرلمان و في مساء ذات اليوم اعلن قيس سعيد رئيس الجمهورية انه اتخذ جملة من التدابير الاستثنائية على معنى الفصل 80 من الدستور دفعه اليها الخطر الداهم الذي يهدد البلاد و يعطل السير العادي لدواليب الدولة و حرص رئيس الجمهورية على التأكيد على دستورية تلك التدابير و على انها من صميم الفصل المذكور و يتجلّى حرصه على ذلك بوضوح من خلال.

– كلمته التي اعلن خلالها اتخاذ تلك التدابير فقد أكد انه اتخذ القرارات التي اعلن عنها بعد ان تشاور عملا بأحكام الفصل الثمانين من الدستور مع رئيس الحكومة و مع رئيس المجلس النيابي و برّر قرار تجميد عمل البرلمان بأن الدستور لئن كان لا يجيز حلّ المجلس النيابي فإنّه لا يمنع تجميد عمله.

– أصدار التدابير الاستثنائية في صيغة أوامر رئاسية مؤسّسة على الفصل 80 من الدستور مثل الامر الذي اعفى بموجبه رئيس الحكومة و وزيرة الوظيفة العمومية و غيره من اوامر اعفاء الوزراء و الولاة و مثل الامر الرئاسي الذي جمّد بموجبه عمل البرلمان و أيضا الامر الذي مدّد بموجبه تجميد عمل البرلمان.

– اليمين الدستورية التي منذ اعلانه عن تلك التدابير دأب على أدائها امامه الاشخاص الذين يسمّيهم بصفة مكلّف بتسيير وزارة او بمهام وال أو على رأس ادارة عمومية.

– استنكاره مرارا وبشكل ساخر أحيانا للرأي الذي يعتبر تلك التدابير خرقا للدستور و انقلابا عليه.

لقد انقسم الرأي العام بين من استبشر بتلك التدابير مهلّلا لها و بين معارض لها و من المفارقة انّ المعارضين متّفقون على انها انقلاب على الدستور و لكنّ المهلّلين لها مختلفون حولها الى حد التناقض فيما بينهم… لنرى ذلك بالتفصيل.

1)) المعارضون لتدابير الرئيس

عياض بن عاشور

اما المعارضون فنذكر منهم استاذ القانون العام عياض بن عاشور فقد حذر من أن الانقلاب مرتبط بالفوضى أو الديكتاتورية أو كلتيهما، وأن الانقلاب لن يحل مشاكل البلاد منتقدا في الوقت نفسه طريقة إدارة الأحزاب المشاركة في السلطة والحكومات المتعاقبة…

وقال « بن عاشور » على « تويتر » « عشنا خيبة أمل كبيرة بسبب طريقة إدارة الأحزاب المشاركة في السلطة والحكومات المتعاقبة والائتلافات البرلمانية لشؤون الدولة . »

وأضاف عبر حسابه « لكن من غير المعقول علاج شرور بشرور أكثر تدميرا، خاصة من خلال الانقلاب الذي ستتبعه حتما فوضى أو دكتاتورية أو كلتاهما، وذلك النمط من الحكم لن يحل مشاكل البلاد. » .

وفي وقت سابق من تغريدته الأخيرة قال الدستوري عياض بن عاشور إن « خريطة الطريق الوحيدة هي العودة إلى تطبيق أحكام الدستور. »

واعتبر أن ما حدث هو عينه « الانقلاب الدستوري » الذي « حصل منذ رفض قيس سعيد التحوير الوزاري وتنصيب الوزراء ». مضيفا أنه « كان على البرلمان إعفاء رئيس الجمهورية وعزله من مهامه منذ رفض التحوير الوزاري وخرق الدستور بصفة جسيمة! « .

وحذر القوات المسلحة في تونس من الانسياق إلى قراءة مشوهة من الرئيس التونسي للدستور قائلا: « الجيش الآن غير ملزم بأوامر رئيس خارج عن الشرعية والدستور والقانون. «.

كما حذر من عواقب الانقلاب مشيرا إلى أنه « دفع تونس إلى الاقتتال والاحتراب الأهلي.. وخطر انتصاب ديكتاتورية دائمة«...

وحسم عياض بن عاشور رأيه عن زميله الرئيس أستاذ القانون الدستوري بتأكيد أن« ما حدث هو انقلاب بأتم معنى الكلمة ليس كما يصفه البعض بانقلاب دستوري او شبه انقلاب ورئيس الجمهورية قيس سعيد لم يعد رئيسا شرعيا فهو خارج عن القانون وعن الدستور نحن في وضعية « gouvernement de fait « .بل لم تعد لرئيس صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة.

نجيب الشابي

و نذكر ايضا احمد نجيب الشابي رئيس حزب الأمل الذي صرّح في برنامج بلا حدود الذي تبثه قناة الجزيرة ان الفصل 80 بريء براءة تامة من كل الاجراءات التي اتخذها قيس سعيد رئيس الجمهورية و الذي دوّن في صفحته في الفاسبوك ما يلي : « في ما يخصني فإني اصر على ان ما يحدث في بلادنا هو انقلاب على الشرعية وعلى الفصل بين السلطات وتهديد للحرية ومغامرة ستتكفل الايام بالكشف عن اخطارها وتداعياتها« .

لكنّ المرّحبين بتلك التدابير الاستثنائية يختلفون فيما بينهم اختلافا جذريا فمنهم من يؤيّدها لأنه يعتبرها دستورية ومن يؤيّدها رغم انه يعتبرها خارجة عن الدستور…

2)) المساندون بحجة ان التدابير الاستثنائية مطابقة للدستور

يتبنى هذا الصنف من المساندين موقف قيس سعيد رئيس الجمهورية سواء فيما يخصّ دستورية تلك التدابير اوفي ما يخصّ ضرورة اتخاذها لمواجهة الفساد و لتصحيح المسار نذكر على سبيل المثال.

التكتل

– حزب التكتل رغم انه لاحظ ان رئيس الجمهورية توّسع في تأويل الفصل 80 من الدستور فإنّه يعتبر ما أقدم عليه يمثل « عنصرا مساهما في وقف نزيف الرداءة والفساد ويمكن أن يمثّل فرصة لتصحيح المسار ومواصلة الانتقال الديمقراطي وفق مبادئ الثورة ودستور الجمهورية الثانية «.

مصطفى بن جعفر

– يتفهم مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني الـتأسيسي و القيادي في حزب التكتل لجوء رئيس الجمهورية الى الفصل 80 من الدستور فقد نشر بيانا للرأي العام التونسي ذكر فيه ان إعلان رئيس الجمهورية عن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في إطار هذا الفصل «جاء كشكل من أشكال الاستجابة إلى الهبّة الشعبية المواطنيّة العارمة المندّدة بما آلت إليه البلاد من تردٍّ وتأزم على كل المستويات » و خاطب رئيس الجمهورية بأنه يسانده كما سبق ان سانده عندما دعا في الدور الثاني من الرئاسية الى انتخابه و سيواصل مساندة قراره الشجاع و ذكّر بأنه ثمّن اختيار رئيس الجمهورية لإلياس الفخفاخ لتكوين« حكومة سياسية تحمل برنامجا إصلاحيا جدّيّا لم يسعفها الوقت لإنجازه رغم نجاحها في إدارة الموجة الأولى لجائحة كوفيد« .

سلوى الحمروني

–- صرّحت سلوى الحمرني رئيسة جمعية القانون الدستوري لإذاعة » موزاييك » أنّ الفصل 80 موجود في الدستور بمعنى أنّ قرارات رئيس الجمهورية تأتي في إطار الدستور و قالت لا يمكن الحديث عن الانقلاب لأنّ الرئيس فعّل فصلا جاء في الدستور بمعنى أنّه ما يزال في إطار الدستور.

يتضح من هذه المواقف الثلاثة ان اصحابها يعتبرون ان قيس سعيد رئيس الجمهورية احترم الدستور لمّا اتخذ التدابير الاستثنائية و ان توسّعه حسب حزب التكتل في تأويل الفصل 80 لم يخرجه عن الشرعية الدستورية التي يعتبرها الدكتور مصطفى بن جعفر الاطار الذي تتحقق فيه اهداف الثورة وفاء لتونس و للشهداء الأبرار.

3) ) المساندة رغم اعتبار التدابير الاستثنائية خارجة عن الدستور

لكن على نقيض هذه المواقف يرى اشخاص آخرون ان تلك التدابير هي السبيل للتخلص من دستور جانفي 2014 نذكر منهم :

– الصغير الزكراوي استاذ القانون : يوجد الحل في قواعد اقوى من الدستور

صرّح الزكراوي لإذاعة »موزاييك آف آم » ان مقاربته ليست من داخل الدستور و إنّما من خارجه فهو يرى انه منذ تفعيل هذا الدستور استنفدت « المنظومة الحاكمة » وجودها ولم تعد قادرة على إدارة الشأن العام و على إدارة دواليب الدولة و يستدلّ بجائحة كورونا و يعتبر ان رئيس الجمهورية أجبر على اتخاذ تلك التدابير و يعاتبه من اجل تشبثه بالمقاربة الدستورية لأنّه لو كان مكانه لترك الدستور جانبا ليعتمد قواعد أقوى من الدستور تحافظ على السلم الاجتماعي وتحفظ مؤسسات الدولة من الانهيار و تساءل ما الفائدة من الاحتكام للدستور و البلاد تنهار؟

يستفاد من تصريح الزكراوي ان الدساتير لا تحفظ الامن العام و لا تحفظ السلم الاجتماعي و لا تمنع مؤسسات الدولة من الانهيار و ان الحل يوجد في مبادئ اقوى من الدستور يلجأ اليها عند اشتداد الازمات وهو يتناسى ان الفصال 80 من الدستور وضع لمواجهة الازمات الخطيرة جدّا المتمثلة في خطر داهم مهدّد حسب صريح لفظه « لكيان الوطن او امن البلاد او استقلالها و يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة » علما ان الفكرة العامة لمضمون هذا الفصل كانت في دستور جوان 1959 موضوع الفصل 32 ثم الفصل 46 وهي منقولة بشكل حرفي تقريبا من دستور فرنسا لسنة 1958 المؤسس للجمهورية الخامسة.

- الصادق بلعيد أستاذ القانون : المشروعية الشعبية اقوى من الدستور

صرّح بلعيد لإذاعة « موزاييك » ان الرئيس خرج في مبادراته عن مظلّة الدستور وبإمكانه ان يستند على المشروعية الشعبية غير انّه لم يعط تعريفا لهذه المشروعية التي يفضّلها على الدستور و هي حسب تعبيره أقوى منه و أصلح فكل خروج الى الشارع من مجموعات غير معلومة العدد ولا التوجهات ولا المطالب الدقيقة تعطي في منظوره مشروعية يمكن الاحتكام اليها لإنهاء العمل بالدستور… فما الفائدة اذن من سن الدساتير؟

- امين محفوظ استاذ القانون : من عيوب دستور 2014 انه نص هجين

قال محفوظ لإذاعة « موزاييك آف آم » وجدنا الحل في الفصل 80 « وأضاف انه من دعاة تطبيقه وانه يلزمنا الخروج من هذا الدستور.. فهو يعتبره السبب الرئيس في تردّي الأزمات فبسببه أصبحت الدولة مهدّدة و غير قادرة على ادارة الازمات فالنظام السياسي الذي جاء به هذا الدستور لا يسمح للدولة بإدارة الازمات و بمحاولة إيجاد الحلول وهو على شاكلة الصغير الزكراوي يستدلّ بجائحة كورونا و بتصرّف الدولة حيالها قبل يوم 25 جويلية و بعده ليثبت الفرق في نجاعة الأداء بعد 25 جويلية و يستخلص من ذلك توفر الفرصة الذهبية لإنهاء العمل بهذا الدستور الذي من عيوبه انه نص هجين واستخلص ايضا ان الحل هو اصدار نص تنظيم مؤقت للسلط يقع فيه حلّ العديد المؤسسات منها البرلمان و تقديم مشروع دستور جديد يؤسس لدولة القانون ..وتبدو أقوال محفوظ عير دقيقة ومتحيزة وهي تحتاج إلى بعض التوضيحات.

– هكذا يقول محفوظ الفكرة و نقيضها فمن جهة يرى ان الحل وجد في الفصل 80 من الدستور لمواجهة الخطر الداهم و معنى هذا القول ان دستور جانفي 2014 يسمح للدولة بإدارة الازمات لكن سرعان ما عبّرعن نقيض هذه الفكرة بالقول ان هذا الدستور لا يسمح للدولة بإدارة الأزمات.

-اما فيما يخص القول بان دستور 2014 لا يسمح للدولة بإدارة الأزمات جائحة كورونا فنحن نتساءل عن علاقة فشل الحكومة في مقاومة الوباء بدستور 2014 وبكل العيوب التي ينسبها اليه محفوظ ..؟ الأمر يبدو مثيرا للسخرية حقا فقد وصلنا إلى حد من العبث في التحليل انه لو وقع زلزال في إحدى جزر المحيط الهادي لقال لنا رجل القانون ان دستور 2014 هو السبب في ذلك اذ يستفاد من المقارنة التي قام بها محفوظ بين تصرف الدولة في شأن هذه الجائحة قبل و بعد 25 جويلية 2021 ان هذا التصرف كان ناجحا لأنه جاء بعد 25 جويلية خارج الدستور هذا الذي لا يسمح للدولة بإدارة الأزمات ..لا ندري اذا كان محفوظ يطلع مثل ما هو جدير برجل قانون على النصوص التشريعية الصادرة في تونس بعد 25 جويلية ذات الصلة بجائحة كورونا ولنرى ذلك بشكل مفصل.

فخلافا لما صرّح به محفوظ فإن قيس سعيد رئيس الجمهورية يصرّ على انه يعمل في ظلّ الدستور فقد اصدر امرين يتعلقان بجائحة كورونا اسّسهما على الفصل 80 من الدستور وهما الامر عدد 77 لسنة 2021 المؤرخ في 28 جويلية 2021 المتعلق بإحداث قاعة عمليات لإدارة جائحة كوفيد 19 و تحديد مهامها و تركيبتها و اصدر الامر عدد 83 لسنة 2021 المؤرخ في 30 جويلية 2021 و المقرّ لتدابير استثنائية لمجابهة جائحة كوفيد 19.

وبسبب هذه الجائحة سبق للبرلمان سنة 2020 ان فوّض لرئيس الحكومة اصدار مراسيم و ختم رئيس الجمهورية مشروع القانون و صدر في القانون عدد 19 لسنة 2021 المؤرخ في 12 أفريل 2020 ويتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19).

و في سنة 2020 بسبب نفس الجائحة سبق لرئيس الجمهورية قيس سعيّد ان فعّل الفصل 80 من الدستور وأصدر الأمر الرئاسي عدد 24 لسنة 2020 المؤرّخ في 18 مارس 2020 المتعلّق بمنع الجولان بكامل تراب الجمهورية بعد ان استشار كلاّ من رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب الشعب ثم اصدر الأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 يحجّر جولان الأشخاص و العربات خارج اوقات منع الجولان إلا لقضاء الحاجات الأساسية و لأسباب صحيّة مستعجلة و منع كلّ تجمّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطّريق العامة وبالساحات العامة و تأسس هذا الامر على الفصل 80 من الدستور و على الامر الرئاسي عدد 24 لسنة 2020 السالف الذكر و استشار رئيس الجمهورية في شأنه كلاّ من رئيس مجلس نواب الشعب و رئيس الحكومة.

فمن نصدق يا ترى رئيس الجمهورية الذي يؤكد مرارا وتكرارا انه يتصرف ضمن الصلاحيات الدستورية التي خولها له دستور 2014 ام نصدق بعض أساتذة القانون الدستوري الذين لا ينفكون عن القول ان النجاحات المسجلة في مقاومة جائحة كرونا بعد 25 جويلية كانت بسبب تخلصنا من دستور 2014 فهو السبب الرئيسي في كل نكباتنا على حد اعتقادهم .

اما في فيما يخص وصف دستور جانفي 2014 بأنه نص هجين فان الهجين في علم الأحياء هو نتاج تزاوج بين نوعين او سلالتين… أما الدساتير فنلاحظ انه باستثناء النظامين الأميركي و البريطاني اللذين مراّ بمراحل تاريخية خاصة كان من نتائجها النظام الذي تتميز به الولايات المتحدة وبريطانيا فإنّ دساتير جل الأنظمة السياسية هجينة بما في ذلك دستور الجمهورية الخامسة في فرنسا فقد وصف الصحفي و المحلل السياسي آلان ديهمال Alain Duhamel في حوار مع الوزير الأول الفرنسي السابق « ادوارد بالادي Édouard Balladur دستور 1958 بأنه ذو طبيعة هجينة فيه مزج بين النظامين الرئاسي و البرلماني (1)

La Constitution de la Cinquième République, qui renforce l’exécutif de manière inédite dans notre histoire républicaine, a, en réalité, une nature hybride, Elle est le fruit de conceptions à la fois présidentialistes et parlementaristes. Et ce métissage institutionnel était, de la part du général de Gaulle, parfaitement délibéré.

ولا شك ان السيد محفوظ يعلم جديا ان اختيار هذا النوع من الدساتير كان خيارا واعيا من قبل اللجنة التي صاغت دستور1958 فقد كانت مزجا بين رؤية مشيل دوبري Michel Debré ذات التوجه البريطاني والقائم على رئيس وزراء قوي وتصور شارل ديغول العسكري ذي التوجه الرئاسوي بالنظر الى الظروف التي نشا فيها هذا الدستور والتي ليس هذا مجال التوسع فيها.

ان هذا الدستور الذي عرف 24 تحويرا دستور صامد منذ اكثر من 63 سنة، بل لعله من أكثر الدساتير صمودا في تاريخ فرنسا ….لقد عدل هذا الدستور عشرات المرات لأنه لا يوجد دستور مثالي بل انه على شاكلة أي عمل إنساني يحتاج الى تجويد وتطوير ولا شك ان هذا النوع من الدساتير ذات الطابع المزدوج أدى إلى تنازع حول السلطة مرارا وتكرارا في فرنسا وذلك أمر لا مناص منه في ظل التعددية السياسية ولكن الإشكال لم يحل في الشوارع او بواسطة الانقلابات الدستورية بل داخل مؤسسات الدولة بحسن ادارة الخلاف.

ولا ندري أيضا إذا كان السيد محفوظ يعلم أن دستور 2014 أسس هو أيضا بشكل واع على نوع من التوازن بين السلط الثلاث وان هذا الخيار كان نابعا من خوف مشروع من تغول إحدى السلطات بما يرجعنا إلى دولة الاستبداد …لم نصبر على هذا التصور ولم نستكمل إرساء اهم مؤسسة دستورية ينص عليها وهي المحكمة الدستورية التي تألب عليها الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه وركضنا في سابق محموم في مسابقة إطلاق آخر رصاصة في جسد دستورنا الفتي الذي كذبنا عليه وحملناه وزر كل أخطائنا ونزاوتنا.

ولكن يبدو ان البعض لا يزال يحن إلى دولة الاطلاق والاستبداد وهو في سبيل ذلك يزيف الحقائق ويخدع الناس خدمة لأغراض لا صلة لها بالمعرفة القانونية.

أخيرا من الغريب أن يؤكد رئيس الجمهورية على احترامه لدستور 2014 وعلى بقائه تحت مظلته في حين أن بعض مسانديه من أساتذة القانون يدفعونه دفعا إلى الخروج عن الشرعية الدستورية ويشجعونه على مغامرة غير محسوبة العواقب.

غريب أمر البعض …ولكن ما الغرابة في ذلك فقديما قال أجدادنا «العزري اقوى من سيدو » وقال غيرنا « اكثر كاثولكية من البابا » او « أكثر ملكية من الملكية » أو لنقل « أكثر قيسية من قيس سعيد » عندنا . وهل بقي هناك ما يستغرب في هذه الاوقات الاستثنائية التي أصبح فيها كل شيء مباحا باسم كائن هلامي نسميه « الشعب » و «المشروعية الشعبية » لتبرير الاعتداء على الدستور.


1) Grandeur, déclin et destin de la cinquième République
Dialogue Edouard Balladur – Alain Duhamel. Entretiens présentés et animés par Frédéric Puigserver

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات