بوحفص و المحمودي : من حماية اللاجئ الى رده الى مصير غامض

اختفى الناشط السياسي الجزائري سليمان بوحفص( 54 عاما) في تونس في ظروف غامضة. و أفاد شهود عيان ان سيارات بلوحات منجمية غير معروفة قدمت يوم 25 اوت إلى المنزل الذي يقيم فيه الناشط الجزائري واقتادته إلى جهة غير معلومة .

و أكدت وسائل اعلام جزائرية الاثنين 30 اوت 2021 ان تونس سلمت الناشط الجزائري سليمان بوحفص الى السلطات الجزائرية على خلفية ملاحقته في قضية متعلقة بعلاقته مع حركة تقرير المصير لمنظمة القبائل الجزائرية (الماك) والتي تصنفها السلطات في قائمة التنظيمات الارهابية.

وكشفت صحيفة “inter-lignes ” ان تونس سلمت الناشط الجزائري منذ يوم 25 اوت الجاري ونقلت عن مصادر امنية تاكيدها ان الاخير يقبع منذ يوم امس رهن الايقاف لدى الشرطة بالعاصمة الجزائرية في انتظار مثوله امام محكمة سيدي امحمد .

واشارت الصحيفة الى ان سليمان بوحفص تم ايقافه يوم 31 جويلية سنة 2016 ومحاكمته بتهمة ازدراء الاسلام والنبي محمد والمجاهرة بديانته المسيحية.

وذكرت بانه تم الحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات في المحكمة الابتدائية قبل ان يتم الحط من العقوبة الى 3 سنوات في الاستئناف ليغادر السجن بعد 20 شهرا اثر انتفاعه بعفو رئاسي بمناسبة عيد الاستقلال.

واكدت ان سليمان بوحفص انتقل الى تونس قبل بضعة اسابيع وانه اتصل بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ليطالب بالحصول على وضعية لاجئ سياسي.

ونقلت عن ابنته “تيللي” تأكيدها انه تمت مصادرة جميع وثائق والدها باستثناء بطاقة مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين وانها تجهل سبب ايقافه او من تولى ايقافه.

واضافت ان الشرطة التونسية تتولى بدورها التحقيق في ظروف وملابسات ايقاف والدها.

سليمان بوحفص قدم إلى تونس حيث منحته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين صفة اللاجئ تحت عدد 255- 15 -C0059 2022صالحة الى سبتمبر2022.

ومن الجدير بالتذكير إن الحماية الدولية التي تحصل عليها سليمان بوحفص تفرض على السلطات التونسية الموقعة على اتفاقية جينيف لسنة 1951 وبروتوكولها لسنة 1967 واتفاقية مناهضة التعذيب عام 1984عدم إعادته القسرية.

اتفاقية جينيف 1951

كانت هذه الاتفاقية أول اتفاقية دولية حقيقية تتناول النواحى الجوهرية من حياة اللاجئ. وقد بينت مجموعة من حقوق الإنسان الأساسية التى يجب أن تكون على الأقل معادلة للحريات التي يتمتع بها الرعايا الأجانب فى بلد ما، وفى العديد من الحالات، الممنوحة لمواطني تلك الدولة. وتعترف هذه الاتفاقية بالنطاق الدولي لأزمات اللاجئين، وضرورة توافر تعاون دولي، بما فى ذلك اقتسام الأعباء بين الدول، من أجل معالجة المشكلة.

ما الذى تحتويه اتفاقية 1951؟

تعرف الاتفاقية المقصود بلفظة ”لاجئ“. وتجمل حقوق اللاجئ، بما فى ذلك حقوقه من قبيل حرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق فى الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما أنها تشدد على أهمية التزاماته / التزاماتها تجاه الحكومة المضيفة. وينص أحد الأحكام الرئيسية فى هذه الاتفاقية على عدم جواز إعادة اللاجئين ـ والمصطلح القانونى هو حظر الطرد أو الرد ـ إلى بلد يخشى / أو تخشى فيه من التعرض للاضطهاد. كما أنها تحدد الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين لا تشملهم هذه الاتفاقية.

مقايضة

ويتردد ان تسليم بوحفص سيكون ضمن عملية مقايضته بتسليم السلطات الجزائرية نبيل القروي وشقيقة الموقوفين الأن في الجزائر إلى السلطات التونسية بموجب الاتفاقية بين البلدين لتسليم المطلوبين في بلدانهم الى العدالة . ومهما بكن من امر هذه المقايضة ر فان تونس خرقت بتسليمها بوحفص للسلطات الجزائرية مجددا تعهداتها الدولية فالعملية مدانة بكل المعاني القانونية و السياسية والأخلاقية.

بوحفص و المحمودي

ولا شك أن هذا التسليم يذكرنا بتسليم البغدادي المحمودي الوزير الأول الليبي في عهد معمر القذافي إلى السلطات اللبيبة رغم التهديد الجدي لحياته في ظل أوضاع سياسية في ليبيا كانت تتسم بشبه غياب للدولة وبسيطرة المليشيات على البلاد .

ولقد وتّرت العلاقة على اثر هذا التسليم بين رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي وبين الحكومة التي كان يقودها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة بسبب تنازع على الصلاحيات حول أحقيّة اتخاذ قرار تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي للسلطات الليبية .

ففيما قال مسؤولون في الحكومة إنّ تسليم البغدادي إلى السلطات الليبية شرعي ومن مشمولاتها، نفى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ذلك، معتبرا أنّ الحكومة تجاوزت صلاحياتها بعدما تجاهلت رأي الرئيس، الذي خوّل له القانون التدخّل في السياسة الخارجية بالتشاور مع الحك وبشكل عالم أشعل تسليم البغدادي لليبيا أزمة سياسية بتونس وجدلا قانونيا واسعا كما أدى الى تنازع قضائي فقد أصدرت المحكمة الإدارية حكما يوم 8 أكتوبر 2012 أكدت فيه أن تسليم « البغدادي المحمودي » اخر رئيس وزراء « القذافي » يعد من صلاحيات رئيس الجمهورية « المنصف المرزوقي » وأن رئيس الحكومة « حمادي الجبالي » تجاوز هذه الصلاحية عندما أذن بتسليم « البغدادي المحمودي » للسلطات الليبية.

الصمت المريب

وعلى عكس قضية المحمودي فمن الغريب ان السلطات التونسية لم تعلق على الأخبار المتداولة بشان تسليم بوحفص الى السلطات الجزائرية ولا بشان إيقاف القروي وشقيقه في تبسة من قبل السلطات الامنية الجزائرية كما أن تسليم بوحفص لم يثر ذلك الغبار الكثيف التي أثاره تسليم البغدادي المحمودي .

فعدا إدانة بعض المنظمات لهذا التسليم فقد غاب موقف الأحزاب السياسية المشغولة بهمها ومصيرها الغامض عن أية قضية أخرى الى حد الأن . أما مجلس النواب الذي كان بلا شك سيناقش أمر التسليم فهو مقفل إلى إشعار أخر و مقره محروس بالعكسر .

صمت مريب يردنا إلى أزمان كنا نتصور أننا تركناها وراءنا، ولكنها تعود إلينا من بوابة مزاعم الإصلاح الشعبوية التي ألغت الحكومة وحكمت على مجلس النواب بمصير هو في يد الرئيس مع تأجيل التنفيذ . إن صيحة الفزع التي عبرت عنها نقابة الصحافيين تلخص بحق وضع البلاد فنحن نعيش عديد الانتهاكات لحرية الصحافة والإعلام من خلال التضييقات على عمل الصحفيين خاصة في الميدان أو من خلال تدخل بعض المسؤولين عن التسيير في بعض مؤسسات الإعلام العمومي لتوجيه الصحفيين لخدمة الرأي الواحد والتدخل في اختيار المواضيع وطريقة طرحها وهو مؤشر خطير يعود بنا إلى إعلام التعليمات وانتكاسة للمكسب الوحيد لثورة الحرية والكرامة وهو حرية التعبير بحسب ما ورد في بيان النقابة . ولا شك أن هذا الوضع سيقود إلى التعتيم على كثير من القضايا الخطيرة مثل قضية بوحفص التي تكاد تتحول إلى فضيحة دولية .

من المسؤول عن تسليم المناضل الحقيقي واللاجئ بوحفص ومن يمكنه أن يقدم لنا المعلومة الصحيحة الرسمية لنفهم ؟ ام أننا دخلنا من جديد عصر الصمت والخوف …فلا احد أمسى حسب يبدو ناجيا من التعسف لا الحقوقي التونسي ولا الأجنبي …كلنا في نفس المستنقع حتى إشعار آخر.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات