باختصار شديد..،

يتزامن صعود التيارات الشعبوية -وفيها انواع- (*) عمومًا مع (1) تراجع الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، و(2) تدني منسوب متوسط الوعي لدى العامّة بعمق القضايا المشتركة، وفي البلدان المتخلفة مؤسسيًا مع (3) شدة اختراق الباحثين عن الريع و/أو عن فُتاته، الهياكلَ الاقتصادية والمؤسسية.

- تقوم أدوات "الشعبوية" أساسًا على :

(1) خطاب، (**) يتجه نحو العاطفة، ويختزل الواقعَ المعقّد في العلاقات السطحية والفورية بين جزءٍ من مكوناته، مثل الخلط بين تزامن الأحداث والعلاقات السببية بينها (تزامن الثورة مع انتشار الفساد فتصبح الثورةُ هي السببَ وليس الفسادُ الذي قد استُثمر في افشالها. أو ركود اقتصادي (لعدة أسباب) مع بداية بناء ديموقراطية ناشئة، فتصبح الديموقراطيةُ السببَ وليس الركود الذي يحتاج الى حُلول خلاّقة لتجاوزه وحماية الديموقراطية.

أو ارتفاع عدد ضحايا الكورونا في العالم مع تنصيب حكومة (سيئة الأداء)لمْ تدم عاما وهي في خلافٍ مع الرئاسة، فتؤخذُ الحكومةُ على أنّها السبب الوحيد في ذلك، وليس عدم البحث عن حلول خلاّقة لتحييد التجاذبات عن المسألة الوطنية. أو تزامن تلقيح نصف مليون شخص في يوم واحد مع احتكار السّلطة من شخص واحد، فيصبح هذا الاخير السببَ في ذلك وكأنّ الامر كان كذلك لو لم تتوفر اللقاحات بإعانة دول عديدة "دون ان يُطلبَ منها ذلك". أو تزامن ازمةِ الحُكم مع نظام حكم (على نقائصه) لم تكتمل مؤسّساته الدستورية، فيصبح نظام الحكم (غير المكتمل) برمّته هو السبب الوحيد..

(2) ازاحة النخبة المثقفة والكفاءات الحقيقية الاّ بمعيار ولائها وقبولها الانخراط في المنحى الشعبوي، وذلك بالتشهير بالنخبة المثقفة أو بالأصوات المخالفة (اعتداد الاعلام واصحاب القرار بطروحات اقتصادية سطحية روّجها غيرُ المتخصّصين، ليس فيها عمق نظري ولا معرفي ولا مهني، مفادها -في غالبها- الترويج لمصالح شخصية تتواءم مع ترويج ثقافة الخيبة والنّدم ولِمَ لَا تأليب الراي العام. او النقد اللاذع وغير الاخلاقي لبن عاشور بسبب رأيه حول مسالة قانونية، بل التشكيك في اختصاصه في حين أنّ المسألة لا تحتاج اختصاصا عالي المستوى ان صدقت النوايا…)

(3) الاستحواذ على "محور نشاط سياسي" معيّن يمكّن من الاستحواذ على موقع في المشهد السياسي والاعلامي، والعمل على عدم السّماح لأي طرف آخر وضع قدم فيه مع استهداف إلْحاقه ضمن "الاجندة الرسمية للدّولة".(***) وذلك بما له اثار تهمّش مؤسسات الدولة وتضعفها وتطوّعها للأهداف السياسية، مثل (أ) عنوان محاربة الفساد (بدون نظرة شاملة وثاقبة للمسألة) او (ب) عنوان محاربة الفقر (بالاقتصار على الترويج الاعلامي)، او (ت) عنوان استرجاع البترول والملح (بدون علم)، او (ج) عنوان المشروعية (التي تستبطن تحويلها الى الشرعية).. وكلّها عناوين تجد رواجًا اثناء الازمات..

- تكون مآلات الشعبوية عادة محدودةَ النطاق الزمني لعدم قدرتها على تحقيق برامج اقتصادية واجتماعية جامعة ومستدامة خاصّةً وانّ الحيّز المالي العمومي يكاد يكون منعدما حيال تحديات اقتصادية مستعصية وسقف انتظارات عالٍ، الاّ اذا تعسفت على قوانين اللعبة، او اخلاقياتها او اعرافها، ولذلك يميل التيار الشعبوي نحو مآلين. امّا الدخول في دورة ترويجية، افعالها مصرفة في المستقبل استعدادا للاستحقاق الانتخابي القادم، وهنا ترتبط الدورة الاقتصادية بالدورة الانتخابية، وامّا ان ينزلق نحو تصفية الخصوم السياسيين وتعزيز اجهزة "الدولة" ككيان يسهل الاختفاء وراء قدسيته، وتُصدّرُ من خلاله الخيبات ويستمرّ الامر كذلك بدون موعد للانتهاء.


(*): Varieties of Populism: Littérature Review. Gidron et Bonikowsky (2010). WCIA. Harvard Univ.

(**): Populist Discourse. Critical Approaches to contemporary Politics. Helardo-Tenorio et al. (2019). Routledge Editoon.

(**): The semi-sovereign people. Schattschneider (1960).

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات