ملاحظات أولية حول ملفي القاضيين بشير العكرمي والطيب راشد

قرر مجلس القضاء العدلي المنتصب للتأديب بتاريخ 13 جويلية الجاري إيقاف القاضي البشير العكرمي وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس وقطب الإرهاب والقطب الاقتصادي والمالي عن العمل في انتظار البت في ما ينسب إليه وإحالة الملف فورا إلى النيابة العمومية لاتخاذ ما تراه صالحا من إجراءات عملا بأحكام الفصل 63 فقرة ثانية من قانون المجلس الأعلى للقضاء.

وكانت الساحة القضائية، قد شهدت نهاية السنة المنقضية بروز تقرير البحث بشأن الطيب راشد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الذي كلف به مجلس القضاء العدلي بشير العكرمي بصفته وكيل الجمهورية والمشرف على القطب القضائي المتعلق بقطبي الإرهاب والجرائم الاقتصادية . وهو التقرير الذي أدى إلى مجموعة من الاتهامات ضد راشد تتعلق بالارتشاء وتبيض الأموال في علاقة بكبار المهربين وصلاتهم بالسياسيين وبالدوائر القضائية التي يسيرها الطيب راشد وقد آلت هذه التهم إلى رفع الحصانة عنه وتجميد عضويته في مجلس القضاء العدلي وإحالة ملفه على النيابة.. هذا من جهة أولى.

أما من جهة ثانية فقد راسل الطيب راشد التفقدية العامة بوزارة العدل على اثر بروز تقرير العكرمي ضده ، بمكتوب تضمن اتهامات إلى العكرمي منها المتعلق بملفي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وأخرى تتعلق بأمن الدولة كما وجهت له هيئة الدفاع عن الشهيدين منذ كان حاكم تحقيق بالدائرة 13 ( أصبحت معه أشهر دائرة التحقيق على الإطلاق ) تهما في غاية الخطورة تتعلق بالتستر على الإرهاب من خلال التغطية على آلاف الملفات المتعلقة بإرهابيين أ وضالعين في حملات التسفير إلى بؤر الصراع ،.

ملاحظات اولية

على ضوء هذه المعطيات نود سوق بعض الملاحظات الأولية في انتظار مزيد الانكباب على هذا الملف .

.1 ذكر كثير من القضاة على صفحاتهم أن التصويت على القرار ضد العكرمي داخل مجلس القضاء العدلي كان ب 7 ضد 7 ...وصوت الرئيسة مليكة المزاري هو الذي رجح الكفة لصالح قرار الإيقاف عن العمل وإحالة الملف على النيابة (مجلس القضاء العدلي يضم 15 عضوا ينقصه العضو 15 وهو الطيب راشد نفسه الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الذي جمدت عضويته بالمجلس والذي رفعت عنه الحصانة والمحال ملفه على النيابة العمومية من اجل تهم تتعلق بالارتشاء وتبييض الأموال ...يقف أمام مجلس التأديب هو الاخر غدا 16 جويلية).

.2 إن انقسام المجلس في ما يخص القرار نصف نصف يعني ببساطة أن التهم الموجهة للقاضي لم تستند إلى حجج دامغة مؤكدة وثابتة (لا يمكن لقرار بهذه الخطورة أن يستند على الظن والترجيح) ولم يستطع أن يقنع 7 أعضاء في المجلس من 14.

.3 من الواضح أن التصويت لم يكن لثبوت التهم ثبوتا لا يعتريه الشك وقد يكون التصويت استند لحسابات شخصية وسياسية في قضية ألهبت العواطف وحركت كل نوازع الثأر ضد هذا أو ذاك ...بعض هذه الحسابات الشخصية التي ذكرها القضاة لا يمكنني ذكرها لما تظهره من صلات لا أتحمل مسؤولية نشرها أو تبنيها.

.4 فهل يصمد هذا القرار الذي بني على الأرجح على التقدير والظن لغياب أدلة أمام القضاء الإداري... قضاء الشرعية (بقطع النظر على الأخطاء الشكلية » الفادحة » التي ارتكبها المجلس والتي ذكر البعض منها في وسائل التواصل الاجتماعي ولم أتحقق من وجاهتها ) ؟.

.5 إن القرار الإداري في حق العكرمي بإيقافه عن العمل وإحالة ملفه على النيابة العمومية سيجعل الأنظار كلها متجهة الآن إلى الطيب راشد فماذا سيكون القرار غدا في شأنه ؟

.6 إذا كان الأعضاء السبعة الذين صوتوا ضد العكرمي هم على الأرجح من داعمي غريمه الطيب راشد كما يزعم بعض القضاة على صفحاتهم فهل يعنى ذلك أن المجلس لن يصدر أي قرار غدا في ما يخص الطيب راشد لأن الأغلبية التي كانت ضد العكرمي ستكون هي نفسها مع الطيب راشد من اجل تبرئته آو على الأقل إطالة أمد إصدار القرار بشأنه وهو ما يعني انه من المحتمل أن يبقى الرجل على رأس محكمة التعقيب وهيئة مراقبة الدستورية بالرغم من كل التهم الموجهة إليه.

.7 إن إحالة ملف العكرمي على النيابة سيفتح الباب بلا شك أمام مزيد من الاستقطاب والصراع السياسي والأيديولوجي الذي سيحمل البلاد إلى مزيد من الأزمات التي لا تبشر بخير. فالتهم الموجهة الى العكرمي ليست في الواقع غير التهم الموجهة الى حركة النهضة والاسلام السياسي في تونس في صلتهما المزعومة بالإرهاب وبالتسفير.

.8 إن قضية البشير العكرمي كانت وستكون أداة من اخطر أدوات الاستقطاب السياسي في تونس مع الاستعانة بقوى خارجية عربية خصوصا من خلال قنواتها التي تساهم في إشعال نار الفتنة. فهل يمكن للحقيقة في مثل هذه القضايا أن تظهر حين يعمل الجميع على توجيه الملف الوجهة التي تخدم أغراضهم أما الحقيقة فهي آخر ما يشغل عقولهم المثقلة بأحقاد السياسة وأمراض الايديولوجيا ؟

خاتمة

أخيرا إن ما يثير الاستغراب وربما السخرية هو أن أعداء العكرمي يعتبرون قرار مجلس القضاء العدلي دليلا على بداية تعافي السلطة القضائية في حين يعتبره أنصار العكرمي دليلا آخر على الفساد القضائي .فآي عاقل يمكن أن يصدق حكم هذا أو ذاك في حين أن الحكمين قاما على الغرض والاصطفاف بل أحيانا عند أكثر الناس الواقعين تحت تأثير التجييش الإعلامي على الجهل بأبسط معطيات ملفي العكرمي وراشد .. مع تغييب شبه تام يساهم فيه الاعلام لملف الطيب راشد ؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات