استعصاء الديمقراطية ومسارها على الشطب، ومع كسر الوباء انطلاقة سياسية جديدة،

واستهداف الديمقراطية جريمة لا تسقط بالتقادم

1

الفعل السياسي موجب وسالب. وتتوضّح الصورة أكثر في الأزمات الكبرى. ومن الفعل الموجب في مشهدنا المبادرة السياسية كالدعوة إلى الحوار أو تشكيل حكومة جديدة أو مناقشة ميثاق يجدّد تعاقد الناس على الاشتراك في خدمة مصالحهم، أو اقتراح العودة إلى صاحب الشرعيّة.

ومن الفعل السياسي السالب في مشهدنا امتناع المسؤول الأوّل عن أداء مهامّه(رفض ختم القوانين، تعطيل أداء اليمين، صفر عمل ديبلوماسي) وخرقه ما يضبطه له من الدستور من مهامّ، ومحاولة جرّ المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى تجاذبات السياسة ورهاناتها.

2

ومن الفعل السياسي السالب تحريض رئيس الجمهورية من قبل أحزاب وشخصيات سياسية على الانقلاب على الديمقراطية،و استهداف مجلس نواب بتعطيل أشغاله بالبلطجة داخله (زعيمة الفاشية وذيلها الوطدي المِنْجِي) أو بمقاطعة جلساته بتعلات واهية ( الكتلة الوظيفية).

منذ 2019 طغى الفعل السياسي السالب، وهو فعل معطّل يمنع المبادرة والبحث عن الحلول، ويخنق المؤسسات. وهو في تقديرنا السبب الأساسي في العجز عن مواجهة الوباء وبلوغ الوعظ الصحي مرتبة الكارثة. ولذلك فإنّ لهذه القوى المعطّلة مسؤولية أولى عن ضحايا الوباء وما تعرفه البلاد من انهيارات اقتصادية. وهي في هذا غير منفصلة عن السيستام ولوبياته الماليّة ومراكز قواه المختلفة مُحْكَمة التوزيع ومنها حكومة الأكاديمية.

3

وهذا لا يعني أنّ الخطأ محصور في الفاعل السياسي السلبي، فللفاعل السياسي الإيجابي أخطاؤه وسوء تقديره السياسي وعجزه عن توفير شروط العمل الدنيا في المجلس وفي ارتباكه في تسيير مكتبه وثبات مكونه الأساسي على لوجسياله البائس (ديرولي عرسي في غيابي)…وفشله في كسر "معادلة الضعف" بين عبير وسعيّد والأكاديمية. وهي المعادلة التي دعونا باكرا إلى ضرورة كسرها، لحلحلة الأزمة..

ويبقى فعل هذا الطرف في خانة الفعل الإيجابي ناجحا كان أو فاشلا، ومثله مبادرة الاتحاد في الحوار (فعل موجب)وعقد مؤتمره غير الانتخابي حتى وإن وصف بالانقلابي فهو من منظورنا "فعل سياسي إيجابي" بقطع النظر عن نتائجه ، أي أنّه ليس ردّة فعل.

والفعل السلبي والإيجابي، في نهاية الامر، يتحدّدان أكثر بالعلاقة بالديمقراطية. ومنذ انتخابات 2011 التأسيسية لم تتوقّف المواجهة بين الفعل الموجب والفعل السالب. وكانت القوى المعادية للتأسيس أولا وللانتقال الديمقراطي ثانيا قوى فعل سياسي سلبي، فلم تخرج عن التعطيل وتهيئة الأسباب لعودة المنظومة القديمة بالاعتصام وقطع الطريق والاستثمار في الاغتيال السياسي ودم الرفاق (الفضيحة متواصلة في مهزلة تقرير التفقدية). وتدعّم هذا الدور السالب التعطيلي التدميري بظهور الشعبوية الضحلة والفاشية المأجورة والوظيفية الذليلة.

4

هذه الأيام بلغ التعطيل مداه، وبدأت تتوضّح صورة القوى المسؤولة عن الأزمة وضحاياها ودور سياسة التعفين والتعطيل وخنق المؤسسات الذي يبلغ مرتبة الجريمة التي لا تسقط بالتقادم.

ولكن في الوقت نفسه يتأكّد أنّ أقلّ الفعل السياسي الموجب (مبادرة سياسية) كفيل بتعديل الكفة وإجبار القوى المعطلة على التقهقر وسيتأكّد هذا في الأيام القادمة. واندحار سياسة التعفين والخنق وتوفير الشروط الصحية والسياسية لمواجهة فاصلة مع الوباء.

والوجه الآخر لكل هذا هو وجود قوى مقاومة كامنة تدافع عن شروط الديمقراطية واستمرار مسارها. وأنّ القوى المناهضة للديمقراطية ومسارها لم تخرج منذ 2011 عن ردّ الفعل السلبي ولم تكتسب شرعية سياسية رغم كل المحاولات، باستثناء انتخابات 2014 التي سرعان ما اضمحلت بين أيدي "عصابة السرّاق" حين وقع المسروق بين الأيدي نفسها.

الفعل السالب (التعفين والتعطيل والمقاطعة ) والفعل الموجب (الدفاع عن شروط الديمقراطية، الدعوة إلى بناء المشترك، إطلاق مبادرات سياسية) يحدّد حقيقة القوى وعلاقتها بالديمقراطية، ويشير إلى استحالة شطب المسار الديمقراطية واتجاه شروطه إلى الترسّخ…

بعد الانتصار على الوباء، وبشروط الانتصار نفسها، سيتغير المشهد بأسرع مما كنا نتوقع…ولذلك دعوة المُعطِّلة (الانعزاليين موش المعتزلة ههه) إلى النجاة قبل فوات الأوان (sauve-qui-peut)…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات