لن أندّد إلا بالفاشية وعنفها المتواصل على الدولة ودستورها ومؤسستها الأصلية.

1

لن أندّد إلاّ بالفاشية لأنّها مصدر العنف المادي والرمزي ، بل هي العنف نفسه. وهو عنف متواصل منذ سنتين. استهدف البرلمان وطال زملاءها النواب وموظّفي المجلس، والوزراء الضيوف. اعتدت على الثورة وشهدائها وعلى الدولة والديمقراطية وعلى كلّ القوانين والقيم. وكل عنفها موثّق.

2

ما تمارسه الفاشية منذ سنتين من عنف نسقي في المجلس لم يلق الردّ القانوني الرادع من المجلس ورئاسة المجلس. وكان من رئيس الجمهورية صمت، وشجّعها استهدافه للدستور ومؤسسة البرلمان على التمادي في بلطجتها.

ولو قام إجماع بين الكتل النيابية على التصدي لتعطيلها وأنّ عنوانه استهداف الديمقراطية ومسارها لكفّت عن عربدتها مدفوعة الثمن.

3

هذا رأي قلته وأعيد التذكير به.

لو كنت نائبا لاعتبرتُ كلّ عربدتها وعنفها ومنها حمل الأبواق داخل الجلسة اعتداءً يخصّني شخصيّا باعتباري موظّفا. ومن حقّي أن أردّ على هذا المنع الذي يعطّل مهمتي النيابية، بعد التوجّه إلى رئاسة المجلس وحثها على إيقاف الاعتداء، فإذا استحال ذلك أذهب إليها وأطلب منها ومن قطيعها الكف عن العربدة، فإن رفضت أسحب منها مكبّر الصوت، فإن بادروا بالعنف سأردّ بما يمنع عنفهم ويسمح بأداء مهمّتي. وأنا في كلّ هذا موظّف معتدى عليه وممنوع من ممارسة مهامه ومن حقه الدفاع عن حريّته ومهنته. وليكن القضاء هو الفيصل بعد تخاذل مكتب المجلس عن حماية النواب وسير الجلسات العادي.

4

أحترم جهة واحدة لها أن تندّد بالعنف الأخير، وهي الجهة التي أدانت عنف الفاشيّة وعارضت استهدافها للمجلس واعتداءها على الدولة، وكان موقفها واضحا من الجهات التي تستهدف الدستور والديمقراطية. وإن كنت لا أشاطر هذه الجهة تقديرها السياسي. لأنّ كل ما طال الفاشيّة وما قد يطولها من عنف داخل المجلس هو ردّ فعل على عنف بادرت به ولم يتوقّف منذ أول جلسة للبرلمان. ويجب أن يتوقّف. فإن كفّت عنفها وتعطيل أشغال المجلس صار التنديد بكل ما تتعرض إليه ولو كان رمزيا واجبا وحازما.

5

رسالة إلى جهتين:

أ- إلى كلّ الوظيفيين :

لا مصداقية لتنديدكم بالعنف هذه المرّة، بعد سكوتكم عن عنف الفاشية المتواصل إلى اليوم وأنتم تعلمون تحت أية أجندة تعمل. كنتم لا تجدون الجرأة على مساندة الفاشية مباشرة فساندتموها مداورة حين اعتبرتم عنفها وجهة نظر في حسبة سياسية غالطة تنفي مبرّر وجودكم الذي تعلنون. فهذه اليوم فرصة لتخرجوا في علاقتكم بها من الخفاء إلى العلن. فليس أجدى من الوضوح وقليل من الشجاعة.

ب- إلى المنتسبين إلى السردية النسوية المندّدين بالعنف ضدّ المرأة:

هذه السردية المحترمة لا تغطّي سيرتكم القديمة والجديدة، وهي لا تسمح لكم بالتمييز بين نساء تونس، وقد ميّزتم بينهنّ، فأنتم خارجها بعيدون عنها حين لم تدافعوا إلا على من شارككم قناعاتكم. ووقفتم إلى جانب الدكتاتورية في قمع من اختلف معكم. وزكّيتم منشور 108 في بيان يشهد عليكم، وسكتّم عن تدخلّ الدكتاتورية في لباس الأفراد الخاصّ. وصمتّم على نساء دمّر بن علي حياتهن بالتجويع والتشريد والاعتقال والتعذيب والاغتصاب وهدم الكيان، وعملتم على تحريف ما طالهنّ من ظلم أسود عند كتابة تقارير هيئة الحقيقة والكرامة.

فلا مصداقية لتبنّيكم قضية المرأة.

أنتم غارقون في رثاثة الإيديولوجيا وتقسيم البلاد ونساء تونس، ولا علاقة لأدائكم بالنسوية التي عليها وعلى فكرتها أكثر من ملاحظة، ولكن ما يعنينا هو أنكم جعلتموها ماعون صنعة تستنجدون بها في مواقف، وتتنكرون لها في مواقف أخرى. فلو وقفتم عندها لكان لكم بعض مصداقية.

6

ما يحدث في المجلس هذه الأيام يأتي، من وجهة نظرنا، ضمن توجّه عام يستهدف المسار الديمقراطي في مستويين: الدستور والبرلمان. فالنجاح في شطب أحدهما يعني شطب الآخر. وفي هذا السياق تأتي جبهة محسن موازي للاستفتاء، وتعليق الكتلة الديمقراطية التصويت على مشاريع قوانين الحكومة ومنها ما قد يتعلّق بواجهة الوباء الجارف. وفي السياق نفسه يأتي تصريح أحد النواب يم أمس بأنّ "مجلس النواب لم يعد مؤهلا لمناقشة أي شيء".

مجلس النواب يعرف ما عرفه المجلس الوطني التأسيسي من استهداف (ذروته الاغتيال السياسي) انتهى بتعليق أعماله. ولئن اختلف السياق والفاعلون اليوم فإنّ الهدف هو نفسه هدف الأمس.

لكلّ ما تقدّم لن أندّد إلاّ بالفاشية، فإن كفّت عن عربدتها وأجندتها المشبوهة المستهدفة للديمقراطية ومسارها، حينها سأدين بشدّة كل عنف ومنع العنف الذي قد يستهدفها.

وإنّ من يسكت عن استهداف الدستور والديمقراطية والاختيار الشعبي الحر لا يمكن أن يكون نصيرا للمرأة أيّا كانت مرجعيته في ذلك.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات