لنتحدث عن منظومة اقتصاد الريع: تحبون أمثلة؟

تحت ضغط المانحين الأوروبيين الذين يسرقوننا عبر حلفائهم من هنا ويعيدون إلينا شيئا من الفتات من هناك، وصلنا إلى أن التنمية تتطلب تفكيك منظومة "الدولة الريعية" أي الاحتكارات التي تمنحها الدولة إلى مجموعة مغلقة من العائلات والتكتلات لتحتكم على أهم مصادر صناعة الثروة فتصنع القوانين والموظفين المناسبين لإقصاء أية منافسة وفرض أسعارهم وبقاء الوضع على ما هو عليه،

تحبون مثالا: بعد الثورة مباشرة، استغل صغار الفلاحين في شمال غرب البلاد مشاعر الثورة والحقوق لكي يهجموا كل ثلاثاء فجرا على سوق القالة في الجزائر لشراء معدات ري من صناعة جزائرية بأسعار تقل عن ثلث ثمنها في الحوانيت التونسية التي تحتكر توريدها من إيطاليا واسبانيا، نشأت "سوق التوانسة" في مدينة القالة ونشطت حركة النقل وتخصص فيها كثيرون، الدزيرية يعطونهم سلعة بآلاف الدنانير حتى بالثقة، بعد شهرين فقط، أحس جماعة احتكار التوريد بانخفاض كبير في مبيعاتهم، النتيجة: الديوانة تصادر أي منتوج قادم من الجزائر وتفرض عليه ضرائب تساوي أكثر من سعر مثيله في حوانيت التوريد،

مثال آخر: عندما كان صغار الفلاحين يسكبون الحليب في الأودية لأن المصانع ترفض قبوله، اقترح صناعيون من الولايات الجزائرية المجاورة قبول كل فائض الإنتاج في ولايات الشمال الغربي لأن الجزائر تصنع أغلب منتجاتها من الحليب المجفف المستورد، إنما في إطار القانون، أي نماذج من الإنتاج للتحليل وكراس شروط تقني وصحي، بقي الجزائريون ينتظرونها في الحدود حيث تنتظر موافقة الديوانة للمرور، كلموا وزير المالية منتصف الليل: "نستنوا وإلا نروحوا؟"، لا، روحوا، ولم يشتر الجزائريون لا فائض الحليب ولا حتى شكرا. من يعرف شيئا عن مصير مصنع تجفيف الفائض من الحليب في تونس؟ لأن توريد الحليب المجفف يحقق ربحا أكثر لشركات الإنتاج، طز؟

مثال آخر: نشتري البصل المصري المهرب سرّا بشبهات مواد مسرطنة، يصل إلى السوق التونسية بـ 2700 مليم، فيما تمنع الاحتكارات الكبرى وحتى الصغرى شراءه من ولاية الوادي المجاورة لولايتي توزر وقبلي بأقل من 500 مليم، لا تحاول أن تفهم، هي الدولة تحمي التونسي الذي يشتري البصل التونسي بـ 600 مليم ويبيعه لنا بـ 2600، دون أن يدفع مليما للضرائب.

لن أحدثكم عن احتكار قطع غيار الميكانيك والسيارات، فهذه تتعلق بأمن الدولة، حاول أن تعرف وثائق وضرائب توريد سيارة عائلية وحاول أن تفهم لماذا نحن الدولة الوحيدة التي لا تصنع سيارات لكنها تفرض ضرائب مجحفة على توريد السيارات خصوصا المستعملة، لا تقل أبدا أنه لحماية احتكارات ممثلي السيارات الجديدة، إنما فقط، لمن يتمنى تفكيك اقتصاد الريع والاحتكارات التي تمنحها الدولة، في دولة ما تزال تحتكم على رخص التاكسي دون أن تقدر على تطبيق القانون على العاملين في القطاع،

نحن نحتاج إلى مدة بين 5 و7 سنوات لتفكيك هذه المنظومة التي بدأها بورقيبة في الدولة الوطنية بإسناد الرخص مقابل خدمات لا علاقة لها بالنضال من أجل الاستقلال بل من أجل التنكيل بخصوم انفراده بالسلطة، وصولا إلا نظام بن علي الذي خلق وضعا يفضل فيه الجميع اقتصاد احتكارات السمسرة وقتل المنافسين على اقتصاد خلق الثروة والابتكار والاستثمار في الصناعة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات