عبد الوهاب بوحديبة: مفكر وحيد.. ضيّعه على وعينا الاستبداد

Photo

في سيارتي أحتفظ بكتاب وحيد: " الإنسان في الإسلام" لعبد الوهاب بوحديبة. حدث الأمر بصدفة محضة. فقد تخلصت منذ سنوات من عادة شراء الكتب ومن مكتبتي الخاصة. لكنني لم أستطع مقاومة عنوان لبوحديبة سنة 2016.. فاشتريته.. وضعته في السيارة.. وقرأته مرات كثيرة.

الكتاب خلاصات فكرية لمسيرة فكر بوحديبة. يبدو أحيانا بسيطا ومسايرا لبعض ما ترسخ من مصادر التفكير في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وهو في ذلك يعكس طبيعة بوحديبة الهادئة والمبتسمة في وجه التاريخ بكل ما فيه..

لكن الفكرة المحورية للكتاب فلسفة كاملة تفتح بابا جديدا لعيش جديد للإسلام في التاريخ: عند بوحديبة "الإسلام تكفّل بالإنسان الكلّي". والفقهاء، في ما يعرف ب"الشريعة" (وما يقوله عنها في كتابه يمثل المدخل الأمثل لتخليص هذا اللفظ من حمولته السلفية الطاردة للعقل والتاريخ).. حيث يراها "قانونا تعدديا ومتفتحا بالأمس واليوم على جميع الإضافات..." ف "الحضارة الإسلامية لم تتطور على وتيرة واحدة، خطية وتكرارية ومتولدة ذاتيا، بل تفاعلت مع الثقافات الموازية لها فاتخذت طابعا جدليا وتمايزت تمايزا كبيرا وفجرت روائع حضارية لكل واحدة منها طابعها، عربي هنا، وإفريقي هناك أو فارسي أو مغولي.. مجموعة سمفونية عنقودية لكل واحدة منها أسلوبها واستقلالها...".

مشروع بوحديبة الفكري والعملي عنوانه" الإنسية الإسلامية".. أو" الإيمان الإنسي"فلا يكون الإيمان عنده إلا إنسيا أي غايته الإنسان.. الحرّ. والحداثة الكونية الحالية تحتاج دورا فاعلا لهذه الإنسية الإسلامية في مجتمعاتنا الشقية كما يقول. نحتاج" علمنة جديدة " تساعدنا على الاندماج في "شمولية كونية تحتاج دائما إلى تحديد جديد".

اقرأوا هذه الفقرة في خاتمة كتابه لتعرفوا حجم الفيلسوف بوحديبة وغربته ".. هذا هو البرنامج وهذا هو المشروع.. تقاس إيجابية أفعال الإنسان بمقياس قدرته على تجاوز ذاته ليثبت لنفسه أنه صانع لمصيره.. وأنه المسؤول الوحيد على هذا المصير من حيث أنه كائن أصلا للحرية.. لا كائن للألم والعذاب اللذين يمثلان بطابعهما اللامعقول جرحا عميقا، لكنه جرح تاريخي.. زائل وقابل للعلاج. أما محنة الشر العابر فإنها تبلغ ذروتها مع الموت. الذي يبقى اللامفهوم.. وعتبة الغيب… ".

سنة 1985 حضرت تقديم بوحديبة لهشام جعيط في محاضرة بالسيراس حول محمد إقبال… ما زال طعم سعادة ذلك اليوم في لساني.

جعيط وبوحديبة عزلهما بن علي عن المجتمع العلمي والشعبي في تونس. كسر روح المعرفة فيهما. ورغم محاولتهما استعادة هذه الروح بالكتابة أواخر زمن الحيوان الجاهل.. فقد ظلا على هامش الوعي العام التونسي والعربي. وتلك خسارة.. قد لا تعوّض.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات