هل تقاوم تونس إغراء التطبيع؟

Photo

يدخل الصهاينة على الدول العربية واحدة فواحدة كما تدخل فاجرة على صاحب بيت تمسك عليه زلة. وتونس ممسوكة بزلات كثيرة تفتح كل أبواب التطبيع الذليل. حتى إن شعار الشعب يريد تحرير فسلطين الذي رفع لأول مرة في الثورة التونسية وتناقله العرب سعداء فخورين غدا حلمًا بعيد المنال. وربما يصير جريمة تحت غطاء معاداة السامية. يوجد في تونس قوى سياسية وفكرية مستعدة للتطبيع إذا كان ذلك يساعدها على قهر عدوها الإسلامي الذي لا يموت بالسياسة ولا يموت بالقمع البوليسي. وهذا مدخل أول للتطبيع يعرفه الإسرائيليون، وهو ليس المدخل الوحيد. بعد تطبيع المغرب جاء الدور على تونس. وإن غدًا لناظره قريب.

تطبيع بالغريزة

بوادر التطبيع النخبوي في تونس سابقة على الثورة بل مزايدة على بن علي نفسه. الذي لم يجرؤ على إعلان الخيانة ومثّل دور الزعيم القومي المساند للموقف الفلسطيني. في زمنه أعربت النخبة الجامعية عن مودة مفرطة للكيان ونسقت تحت غطاء البحث العلمي لقاءات مع الإسرائيليين. والتقت نخب يسارية تزعم الثورية مع اليسار الإسرائيلي في باريس ونشرت صورها معتزة بذلك.

ورسخ لدى جمهور واسع إسلامي وغير إسلامي أن هناك فئات من التونسيين تفضل شرب القهوة مع الصهاينة على تبادل التحية مع الإخوان. وهذا مدخل تطبيع يوشك أن يتعرى في القريب. والصهاينة يعرفون ويراقبون، فهم يخترقون النخبة ويغرونها، والنخبة تستجيب، حتى إنها جبنت على التنديد باغتيال الزواري صانع الطائرات الموجهة لفائدة المقاومة في غزة بل ذهبت إلى حد إدانته بالإرهاب، فمنطلقها أن حركة حماس إرهابية وكل من يساعدها إرهابي (ذات مقال في لوموند في 2014 كتب مفكر تونسي فرنكفوني أن حماس تمارس البرنوغرافيا النضالية في غزة).

سيدخل الإسرائيليون من باب النخبة، وقد وفرت لهم النقابة الذرائع الكافية لذلك فالنقابة ملك اليسار النخبوي أو اليسار الفرنسي أو حزب فرنسا وهي التسمية الأصوب التي اجترحها شعب الجزائر في عشرية الدم.

النقابة تدمر البلد طبقًا لخطة تطبيع فهي تكسر القطاع العام والمؤسسات الاقتصادية العمومية ذات المردودية العالية من أجل إيصال البلد الى الإفلاس التام المفضي إلى قبول بكل شروط التطبيع مع الصهاينة المتحكمين في بنوك الإقراض الدولية وفي وكالات السياحة التي يعيش منها أهم قطاع اقتصادي في تونس.

النقابة هي الأعلى صوتًا ضد التطبيع وهي تزعم قيادة النضال ضد الصهيونية ولكن خطابها سفاهة سياسية مبرمجة كثمن لجائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها من فرنسا قبل السويد. إن النقابة اليسارية الآن هي ذراع فرنسا في تونس وإن كذّب النقابيون ذلك، لكن نتيجة فعلهم واضحة؛ كسر الاقتصاد التونسي وإجبار الحكومات على ما تريد فرنسا. هذه مبالغة ليس عليها دليل بعد ولكن العام 2021 سيقدم الدليل الكافي على صحتها. لأن أوامر التطبيع ستملى على تونس خلال العام القادم وليس لديها خيار فاقتصادها منهار.

حل ممتاز لإرباك الإخوان

الإسلاميون في معركة تحصيل الاعتراف بوجودهم السياسي ضمن مشهد ديمقراطي تعددي يقبل بهم ويشاركهم ويفاوضهم كقوة محلية غير هجينة ولا وافدة. لذلك يجدون أنفسهم في موقع هشاشة سياسية تدفهم إلى تنازلات مريبة منها احتمال القبول بصفقات تطبيع على غرار أشقائهم في المملكة المغربية (حزب العدالة والإصلاح) الذين سلموا وباركوا للملك تسويات تطبيعية مقابل مكاسب مهمة منها اعتراف الأمريكان بسيادة المملكة على منطقة الصحراء الغربية التي هي محل تنازع بين المملكة وبين الشعب الصحراوي المسنود بشكل مطلق من الجزائر منذ الستينات.

لن يجبرنا مناضل مزيف (مطبع في العمق باسم الأممية الثورية الرابعة أو العاشرة) على التشكيك في موقف الإسلاميين من التطبيع فهم حركة حماس وإن تغيرت الأسماء ولكن الشروط القطرية (المحلية) مربكة، فمقابل البقاء على قيد الحياة السياسية في وضع انتقال هش نراهم مضطرين (ولا نبرر لهم) إلى تنازلات قد تمس من المبادئ والمنطلقات ولا تقف عند التكتيكات الظرفية، لذلك تنكشف هشاشة موقفهم السياسي في سياق تطبيعي شامل يتجاوز قدرات القطر.

قد وقفوا ضد السيسي وضد حفتر المطبعان وموقفهم من الإمارات المطبعة واضح لكنهم ينكشفون في علاقتهم مع قطر وتركيا اللتين تسندانهم وهما المطبعتان من زمن قديم ولا يمكن لهما إسناد حليف في موقف معاد للصهيونية وهذا مدخل للضعف وفقدان البوصلة السياسية ويوشك أن يدمر الموقف المبدئي لكل التيار الإسلامي من الصهيونية منذ حرب الاستنزاف، فالاحتماء ببلد مطبع لا ينجي من التطبيع بل يضيق الامكانيات.

ليسوا الشعب

الموقف الشعبي التونسي ليس مرتهنا إلى موقف الإسلاميين من الصهاينة ولن يختلف عن الموقف الشعبي المصري الذي لم يطبع أبدًا وإن سارع بعض ضعاف النفوس فيه إلى نيل مغنم من العلاقة مع الصهاينة لذلك نقول إن التطبيع في تونس سيظل دوما جريمة قاتلة سياسيًا لكل مطبع وسيحاسب الشعب كل مطبع مهما كانت مبرراته الظرفية.

لدينا يقين أن التطبيع في تونس قادم كالقدر الغشوم وسيقوده في الأشهر القادمة اليسار الفرنكفوني واليسار النقابي وشبيحة السيسي وبشار نكاية في الإسلاميين (الخوانجية عملاء الامبريالية)، والصهاينة يعرفون ذلك، ولديهم المدخل المناسب لنصرة حلفائهم في الداخل وأمامهم رئيس بلا خطة وبلا مشروع رغم خطاب مزايد يثير السخرية الآن (التطبيع خيانة عظمى) سيكون بوابة أولى قبل التغلغل السياسي في جسم القطر.

نرى بيقين أن ما تفعله النقابة الآن من كسر ظهر الاقتصاد التونسي بمطلبية خارج كل معقول نقابي وبقيادة يسارية خالصة في مؤسسات القطاع العام دون القطاع الخاص هو رد جميل على هدية نوبل للسلام التي قبضت في باريس ذات جائزة على ثورة مغدورة، والخطة مستمرة بلا هوادة. دفع البلد الى حافة الإفلاس باسم المطلبية لتمهيد الطريق للصهاينة لتقديم وعود الإنقاذ من باب مؤسسات إقراض دولية أو من باب وكالات سياحية تعد ولا تنفذ.

في الأثناء لن يتفطن الإسلاميون إلى الخطة وسيواصلون كدأبهم دومًا ممارسة سياسة النعامة عند الخطر وسيخفون رؤوسهم في رمل السياسة ظنًا منهم أن عدم رفض التطبيع كاف لكي ينجوا من ورطة التطبيع.

اللحظة التاريخية تقتضي موقفًا رجوليًا واضحًا لا نرى أحدًا قادرًا على اتخاذه، ولذلك نتوقع سماع تبريرات التطبيع من الحكومات القادمة ثم سنسمع ما يكفي من التبريرات من الطبقة السياسية مع شحنة مزايدة ثورجية على الإسلاميين المرتبكين.

ليكن! فتونس الشعب لن تطبع، وهذا الشعب المسكين المغدور في نخبه سيتلقى درسًا قاسيًا لكنه لن يخذل إخوته في الأرض المحتلة. هذا قدره وإن لم يحسن الإمساك بسيفه بعد.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات