حق الإضراب بين الالتزام بقواعد القانون و فوضى التنفيذ

Photo

تعيش تونس منذ الثورة موجة غير مسبوقة من الإضرابات القانونية أو العشوائية وهي إضرابات يقدمها العملة آو الموظفون على أنها حق دستوري كيف ذلك؟

1) شروط الإضراب

يقر الدستور التونسي لسنة 2014 في الفصل 36 على أن «الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب مضمون» غير أن القوانين الجاري بها العمل تنظم هذا الحق

وتوضح المنظومة القانونية النافذة في تونس تفاصيل هذا الحق وهي ملزمة ما لم تتعارض مع جوهر ممارسة هذا الحقّ الدستوري.

ينص الفصل 376 مكرر من مجلة الشغل (أضيف بالقانون عدد 84 لسنة 1976 المؤرخ في 11 أوت 1976).

إن كل قرار بالإضراب أو بصد العمال عن مباشرة عملهم يجب أن يسبقه تنبيه بعشرة أيام يوجـه من قبل الطرف المعني إلى الطرف الآخر وإلى المكتب الجهوي للتصالح أو إن تعذر ذلك إلـى التفقديـة الجهوية للشغل المختصة ترابيا بيد أن سريان مفعول التنبيه المسبق يكون بداية من إشعار المكتب الجهوي للتصالح او التفقدية الجهوية للشغل.

كما ينص الفصل 376 ثالثا (أضيف بالقانون عدد 29 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994) على انه من الضروري أن يوجه التنبيه المسبق في نفس الوقت إلى الجهات المعنية عن طريق رسالة مضمونة الوصول مـع الإعلام بالبلوغ ويجب أن يتضمن التنبيه المسبق البيانات التالية:

- مكان الإضراب أو الصد عن العمل.

- تاريخ الدخول في الإضراب أو الصد عن العمل.

- مدة الإضراب أو الصد عن العمل.

- سبب الإضراب أو الصد عن العمل.

كما ينص الفصل نفسه على انه يمكن لطرفي النزاع خلال فترة التنبيه المسبق الاتفاق على تأجيل تاريخ الدخول في الإضـراب أو الصد عن العمل و إذا ورد تنبيه ثان خلال مدة سريان التنبيه الأول فإن هذا الأخير يعتبر لاغيا.

2) وضعية الإضراب المخالف للقانون

ان كل إضراب يخالف ما وقع عليه التنصيص بالفصول السابقة من مجلة الشغل يتعرض الى المعاقبة الجزائية.


أ ) الفصول الجزائية في مجلة الشغل :

انه من الضروري أن تتقيد الإضرابات بالشروط المذكورة أعلاه وفي حالة عدم التقيد فان منفذيها يعرضون أنفسهم إلى العقوبات المنصوص عليها بمحلة الشغل اذ ينص الفصل 388 من مجلة الشغل: (نقّح بالقانون عدد 77 لسنة 1973 المؤرخ في 8 ديسمبر 1973).

على انه عندما يكون الإضراب أو الصد عن العمل مخالفين للقانون فإن كل من حرّض على مواصلة الإضراب أو الصد عن العمل أو شارك فيهما يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثــــة أشهـــــر وثمانية أشهـر وبخطية تتراوح بين 100 دينار و500 دينار.وفي صورة العود تضاعف هاتان العقوبتان.


ب) المجلة الجزائية

كما ينص الفصل 136 من المجلة الجنائية على انه يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف فرنك كل من يرتكب بالعنف أو الضرب أو التهديد أو الخزعبلات منع فرد أو جمع من الخدمة أو يحاول إبطالها أو استمرار إبطالها.

كما ينص الفصل 137 على انه كل من يتعمد بقصد التعدي على حرية الخدمة إفساد أو محاولة إفساد بضائع أو مواد أو ماكينات أو أسلاك ناقلة أو مولدة للقوة المحركة بدواليب الخدمة أو غير ذلك من الآلات والوسائل المعدة للصنع أو التنوير أو للنقل أو للاستقاء يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها ألف فرنك. ..

3) الإضرابات القانونية ومبدأ العمل المنجز

إن الإضرابات الخاضعة للقانون والملتزمة بالقواعد المرعية لا تعني أنها خالصة الأجر بل تعني فقط أنها غير معرضة إلى فسخ العقد بين الأجير والمؤجر أو العقوبات التأديبية او الملاحقة الجزائية المذكورة سالفا وذلك التزاما بالمبدأ الدستوري الذي يضمن الحق في الإضراب.

فقد أصدرت المحكمة الإدارية رأيا الاستشاري في الموضوع بتاريخ 23-12-2015 تحت عدد 640 وقالت بأنّ إستحقاق الأجر يرتبط بإنجاز العمل وأنّ عدم إنجاز أيّ عمل خلال الإضراب يبرّر إقتطاع المبالغ الموافقة لفترة التوقف عن العمل. وعلّلت المحكمة موقفها بأنّه بالرجوع إلى أحكام الفصل 36 من الدستور التونسي لسنة 2014 يتبيّن أنّ «الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب مضمون» وأنّ ممارسة هذا الحقّ تقتضي عملا بأحكام الفصل 49 من الدستور سنّ قانون يحدّد ضوابط ممارسة هذا الحقّ بما لا ينال من جوهره و »يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. …. وفي غياب نصّ قانوني حتى الآن ينظّم ضوابط ممارسة حقّ الإضراب بالنسبة إلى أعوان الدولة، فإنّ الأحكام الواردة بالمنظومة القانونية النافذة تبقى ملزمة ما لم تتعارض مع جوهر ممارسة هذا الحقّ. وعليه، فإنّ الإضراب يعدّ تركا إراديّا للعمل وتخلّيا عن ممارسة المهامّ الموكلة إلى العون العمومي المنصوص عليها بالفصل السادس من قانون الوظيفة العمومية وكذلك بالأنظمة الأساسية الخاصّة المنطبقة عليه والتي تفتح للموظف الحقّ في المرتّب.

وطالما أنّ القاعدة القانونية في المحاسبة العمومية هي إستحقاق الأجر بمقدار العمل المنجز، فإنّ عدم إنجاز أيّ عمل خلال الإضراب يبرّر إقتطاع المبالغ الموافقة لفترة التوقف عن العمل وهي قاعدة محاسبية لا تعدّ عقوبة إداريّة ولا يمكن أن تعدّ تعطيلا لممارسة حقّ الإضراب باعتبارها توازن بين فصلين من الدستور الأوّل يتعلّق بإقرار حق الإضراب (الفصل 36) والثاني يتعلّق بحسن التصرّف في الأموال العمومية وعدم إهدارها وضمان إستمراريّة المرفق العامّ (الفصلان 10 و15).

وانتهت المحكمة بذلك إلى أنّ الإدارة تكون محترمة للأحكام الدستوريّة عندما تقتطع النسبة المعادلة لأيّام الانقطاع عن العمل للأعوان المعنيين بعنوان عمل غير منجز خلال مدّة الإضراب، شريطة أن لا يكون هذا الاقتطاع آليّا وعامّا وذلك بأن يسلّط حصرا على الأعوان الذين امتنعوا عن إنجاز العمل المكلفين به خلال مدّة العمل المنصوص عليها بمختلف التراتيب المنظّمة لتوقيت العمل بالإدارات العمومية كلّ حسب السلك الذي ينتمي إليه (1).

هذا الاتجاه الذي ذهبت إليه المحكمة الإدارية في تونس هو نفس اتجاه القضاء الإداري المقارن والمبادئ الشغلية الدولية الذي كرّس على غرار القضاء الإداري التونسي شرعية الاقتطاع من أجور الأعوان المضربين متى ثبت عدم إنجازهم للواجبات المحمولة عليهم فضلا عن أنّ أغلب المعاهدات الدولية تسير في نفس الاتجاه

فإذا انطلقنا من أمثلة قانونية قريبة منا وجدنا أن القضاء المغربي أقر في عدة مناسبات مبدأ العمل مقابل الأجر في العلاقة الشغلية، ونذكر على سبيل المثال قرار محكمة النقض رقم 1581 الصادر بتاريخ 10 يونيو 1991 في الملف الاجتماعي عدد «1»«5»2003»124، الذي ورد فيه ما يلي اغلاق المؤسسة بسبب الاضراب يجعل الأجير غير مستحق للأجرة لكونها لا تؤدى الا عن العمــل الفعلي ) 2. (

تجدر الاشارة ايضا وعلى المستوى الدولي أن لجنة الحريات النقابية في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية سبق أن أكدت مبدأ العمل مقابل الأجر حينما أقرت شرعية الاقتطاع من الأجور أيام الإضراب، ونصت على أن ذلك لا يشكل خرقا لمبادئ الحريات النقابية، في كثير من تقاريرها (3).

يجب أن ينتهي عهد الفوضى

مع احترامنا الشديد للحق النقابي ودفاعنا عنه في جميع مقالاتنا فان بعض الاضرابات تمثل اعتداء صارخا على القانون إذا كانت فجئية لم تلتزم بالقواعد القانونية و لم يعلم بها أحد غير وقت تنفيذها خاصة في القطاعات الحيوية التي تتوقف عليها حياة المواطن. أو لم تحصل على موافقة المركزية النقابية بالنسبة إلى النقابات المنخرطة في اتحادات نقابية .

إننا يجب أن نذكر في هذا الصدد أن عهد الفوضى يجب أن ينتهي فلا يمكن القبول بالتجاوزات النقابية من طرف مجموعات او قطاعات تشجع على الإضرابات العشوائية و لا يعنيها القانون ولا يهمها مصلحة البلاد و لا مصلحة الاقتصاد.. «فلا مكان في المستقبل للانفلاتات النقابية والإضرابات العشوائية. فماذا يعني يا ترى هذا الاضراب الذي يسميه البعض» إضرابا مفتوحا» يمارسه صاحبه في منزله نضالا مزيفا لا معاناة فيه فهو بلا كلفة ولا تضحية.


هوامش

(1) حق الإضراب والإقتطاع من الأجور في تونس : أيّ معادلة؟ زياد غومة المفكرة القانونية .28- 01 – 2015

(2) مبدأ الأجر مقابل العمل ـ هشام ملاطي موقع الزمان 21 جانفي 2013

(3) المرجع السابق

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات