العودة المدرسية ليست شأنا وطنيا ولا سياسيا ولا مجتمعيا.. فقط. هي الآن شأن كوروني

Photo

وشأن حياة.

قرار العودة المدرسية التدريجية والدراسة نصف الوقت، يوما بيوم، وعلى أفواج.. الذي اتخذته وزارة التربية بالاشتراك مع نقابتي المعلمين والأساتذة ووزارة الصحة، كان كالعادة موضوع انقسام حاد بين التونسيين.

البعض سخر من الوزارة والبعض من النقابة والبعض من الحكومة والبعض من الغباء التونسي. وهناك من اعتبر الأمر دليلا آخر على فشل السياسيين التونسيين الأزلي والأبدي.

شخصيا لا أتمنى أن أكون في مكان أصحاب القرار في مثل هذا الوضع. ولكنني سأذكّر بمعطيات بديهية قد تساعدنا على تنسيب آرائنا والتمهل قبل اتخاذ مواقف حدّية تعمّق انقساماتنا في ظرف نحتاج فيه إلى حد أدنى من التضامن.

العودة المدرسية "حدث حياتيّ" ضخم يهم تقريبا كل فرد تونسي. فالمدرسة الحديثة هي عصب الحياة الفردية الرئيسي. فهي المعبر الأول الذي يحمل الطفل من فرديته المنعزلة وعلاقته الدموية البسيطة.. إلى اجتماعيته الأولى التي تتكوّن عند الطفل/الإنسان بالتعلّم والتبادل اللغوي والإشاري والنفسي والخبراتي.

ثم تحمله في الإعداديات إلى مراهقة ذات كثافة تبادلية متوترة ومتحدية وعنيفة أحيانا. مراهقة كثيرا ما لا تنجح المدرسة في ضبطها وتوجيهها.

ثم تحمله أخيرا إلى شبابه الأول والثاني. لتفتح أمامه أبواب التفاعل المنتِج مع المعارف الحديثة. معارف يتابع بأدوات التكنولوجيا الحديثة كيف أنها تخلق الواقع.. والحلم أيضا.

أي كل الحياة.

حدث بهذا الحجم جاء فيروس كورونا الغامض وأوقفه دفعة واحدة وفي كل العالم. وها نحن نرى تخبط كل الدول في التعامل مع هذا الوباء الذي لا يجمع العلماء المختصون لا حول هويته ولا سلوكه ولا اتجاهات تطوره، فضلا عن المراهنة على أفق زمني لنهايته أو لاكتشاف علاجه أو لقاحه.

لذلك أرى أن قرار العودة منطقي جدا وضروري.

هل بإمكاننا عودة مدرسية كاملة وطبيعية؟

مستحيل طبعا. لا توجد حكومة في العالم مستعدة لتحمل مسؤولية احتمال انتشار فجئي للفيروس في المعاهد وربما في مدارس الأطفال، لسبب أو لآخر، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا. (لذلك رأينا عائلات في أوروبا ترفض إرسال أبنائها إلى المدارس خوفا من خلل ما في البروتوكول الصحي، رغم تعرضها لخطايا مالية).

الخيار الآن في ظل كورونا هو بين الحفاظ على الأرواح ولو اقتضى الأمر استمرار توقيف الدراسة لعام أو عامين،.أو العودة الناقصة الحذرة المنتبهة.. وبإمكانيات لوجستية محدودة وكارثية في بعض المؤسسات التعليمية نتيجة خراب متقادم.

هل توجد صيغ للعودة أفضل من المقترحة؟

طبعا وارد جدا أن يتم تعديل الصيغة خلال التجريب وعلى ضوء مستجدات ستظهر في الأثناء. هي مجازفة تهم المجتمع كله.. لا الحكومة فقط. وهي مغامرة ستغيّرنا جميعا كأفراد.. تلامذة ومربين وعائلات وسائقي وسائل النقل.. ومنتجي أفكار...

جميعنا قد نتعلم من الوباء، ومن العيش بنسق يحدده الوباء. قد نتعلم ما يعيد توجيه معارفنا وأفكارنا القديمة نحو شروط جديدة لحياة ذكّرنا كورونا أنها هشة إلى أبعد الحدود.. وأنها ثمينة جدا أيضا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات