متلازمة قرطاج..

Photo

نستطيع أن نقول إننا نكاد لا نتذكر له خطابا هادئا، دون تشنج، أو توتر، أو غضب، يعصف فيه على مجهولين، متآمرين وأعداء متربصين، أو كما جاء هذه المرة خونة، عملاء، كذابون، مندسون….

وككل خطاب -في المطلق- هو يكشف عن صاحبه من الداخل، وواضح أن قيس سعيد يشعر بالضيق الشديد. وهذا الضيق نتيجة إدراكه الفارق بين الصورة التي يحملها عن سلطة ساكن قرطاج، الحاكم بأمره مثلما كان الحال مع عهد بورقيبة أو المخلوع، وما وجده شخصيا هناك، شيء يشبه متلازمة القدس عندما يزورها الحجيج حاملين معهم أوهاما حولها، فيكتشفون واقعا آخر، بما يؤثر على حالتهم النفسية.

وكل ما رأيناه حتى الآن هي محاولات لعدم تصديق الواقع، وهو ما عبرنا عنه بمتلازمة قرطاج، على خلاف المعنى الذي قصده رفيق الشلي في كتاب يحمل نفس العنوان. وكانت المناسبة هذه المرة، الحكومة التي عين رئيسها ليكون تابعا له، فإذا بها تفلت من مداره، وتعود به إلى الحجم الذي حدده الدستور.

ومن هذه الزاوية فخطابه مفهوم تماما. إلا أن الحد الأدنى كان على المستشارين أن ينتبهوا إليه، ويتعلق بمدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورة بلادنا.

ولتذكيرهم هنا والأكيد أنهم نسوا أو لا يعرفون -وهذا جائز أيضا- بأن ساكن قرطاج في الأزمنة الغابرة كان ينزعج لمجرد صدور مقال بإحدى الصحف الغربية، لما عساه أن يحدثه من تأثير سلبي على تدفق الاستثمارات أو السياح أو المساعدات أو منسوب الثقة، فإذا بمستشيرهم يقوم بنفسه بما لا تستطيع أن تقوم به دعاية مضادة بآلاف المقالات، كما لو أن بلادنا مقبلة فعلا على حالة شديدة من الصراع والتوتر السياسي أو حتى الحرب الأهلية، وهم يعلمون أن قيس سعيد غير قادر على ذلك، وأن زمن التخويف قد ولى وانقضى، وأن اللجوء إلى المفردات القديمة في التعامل مع المعارضين وذوي الرأي الآخر، أمر مثير للرثاء.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات