أطْلَعْ بهاك الاستفتاء بكلّ موضوعيّة...!!

Photo

أحيانا يشير بعض الأصدقاء إلى أنّ الطبّوبي محمول على تراث الخط العاشوري وصداه في المنظّمة الشغيلة. والحبيب عاشور وهو من هو في الحركة النقابيّة التي عرفت هويّتها السياسيّة في الحركة الوطنيّة كان له دور حاسم في رجحان الكفّة لفائدة بورقيبة في صراعه مع بن يوسف.

وسي الحبيب أكثر من خَبِر المجاميع السياسيّة داخل الاتحاد ومنها الماركسيية في صيغها المختلفة (الحزب الشيوعي والشعلة والعامل والعامل التونسي) وفهمهم للعمل النقابي ومواقفهم الظاهرة والمخفيّة من نظام بورقيبة وعلاقتهم بالعمّال والكادحين وطرقهم في المناورة. وكان يعرف تقييمهم إيّاه، فهو في نظرهم جزء من النظام الكومبرادوري والتصوّر النقابي المطلبي الذي لا يمكنه أن يرقى بحكم هوية صاحبه الطبقيّة إلى موقف نضالي عمّالي ينهي علاقة الاستغلال وشروطها الطبقيّة.

ربّما لم يكن الحبيب عاشور يعرف مفهوم الطبقة والكومبرادور وعلاقات الإنتاج. فالرجل أقرب إلى الثقافة الشعبيّة المؤسسة على مسيرة نضالية امتدّت عمرا. فهو لا يحتاج إلى مثل هذا ويدرك بحدسه أنّه نقْلٌ ساذج عن لغة واصفة تبدو منتزعة من سياق اجتماعي آخر في مكان آخر وزمن آخر. وهو لا يحتاج إلى كتب ليرى من خلالها واقعا متحرّكا شارك ويشارك في صنعه. وهي عنده تحجب أكثر ممّا تشفّ.

فهُم وغيرهم أمامه كتلميذ الابتدائي النجيب لا يصدّق فرحاً أنه صار يتكلم العربيّة بطلاقة يصاحب جدّه إلى حقله مَخْبَر تجربته وشقاء عمره وكدحه ليقرأ عليه "موضوع إنشاء" عن حقل الجدّ بعبارات رومنسيّة يفهم الجدّ قصورها رغم أنّه ربما يسمعها لأوّل مرّة.

ما لم يستطع هؤلاء الوصول هؤلاء بخطابهم الرومنسي يراه الحبيب عاشور رأْي العين في توازنات السياسة وشخصيّة بورقيبة ووسيلة ووزرائهما وحزام السلطة من المصالح المتشابكة والأهواء والإرادات المتصارعة...

ويُؤْثَر عن عاشور أنّه كان ينادي وزراء بورقيبة عند التوتّر بين النقابة والسلطة بأسمائهم الصغيرة مجرّدة من كلّ لقب. ولا يتورّع عن التقريع والتأنيب والتهنتيل. إذ لا يراهم من جيله ولا من منزلته. وكان هذا دأبه مع القيادات النقابيّة وخاصّة التي راهنت على خلافته في حسابات مع النظام في مراحل التوتّر والصدام بين المنظّمة والنظام (78 /85) ومنهم الطيّب البكّوش.

وكما كان اليسار النقابي يتّهم عاشور بالانحراف بالمنظّمة عن مصلحة الشغالين اتّهمه النقابيون المتمسكون بتحالف المنظّمة مع حزب الدستور (فرحات الدشرواوي، التيجاني عبيد، الحبيب الشاوش...) بالانحراف عن مبادئ المنظّمة الأولى عندما استقال في جانفي 78 من الأمانة العامّة للمنظّمة ومن الديوان السياسي للحزب.

الطبوبي ونقْشاته المفاهيميّة هي التي ذكّرتني بالحبيب عاشور رحمه الله. فالأمين العام الحالي معروف بمحدوديّة اطلاعه على الفكر الحديث النقابي والسياسي. وهذا ليس عيبا ولا أراه عائقا أمام مناضل نقابي إذا فهم دوره واحترم نفسه وأخلص لمن يدافع عنهم.

الطبوبي منحدر من نشاط نقابي قاعدي لا يسمح له بتمثّل كثير من المفاهيم، وهو بلا خبرة في فهم السياسة ونُظُمها وتوازناتها وصراعاتها. ولكنّه لا يتوقّف عن الهذيان بمفاهيم مثل الدولة ومدنيّة الدولة والحداثة والتقدّم والجمهوريّة الثالثة (أشكّ حتّى في تمثّلها حتّى عند من يردّدها أمامه) ...وحتّى الشفّي ما يبعداش برشا خاصّة عندما يصعّر خدّه ليُسمعنا عبارة: جماهير شعبنا…

هذا الذي ذكَرنا يعكس علاقته بالفاعلين حوله في المكتب التنفيذي بالمركزيّة النقابيّة...فلا يسار نقابي ولا بقايا عاشوريّة ولا هم يحزنون ...هي بقايا من تجمّع رثّ وبوليس سياسي متحزّب أتقن لعبة حماية الكومبرادور وفسادَه ومنَعَ تأسيس المواطنة والديمقراطيّة وإعادة بناء البلد.

الطبوبي يذكّرني دائما بإحدى أمّهاتنا الأميات الفاضلات في السبعينيات وكان أبناؤها من الطلبة الماركسيين ومن مثقّفي الجهة. وكان الجدل الفكري والسياسي طاغيا في المنزل. ومن هذا الجدل علِقت بذهنها عبارة ّ "موضوعيّة" لكثرة تردّدها حولها. وكان أن أرسلت يوما أحدهم في قضْية من الحانوت. وكانت تعرف أنّ الباقي دينار من المليمات. وعندما ناولها القضْية واستدار دون أن يعيد إليها الباقي بادرته: أطلع بهاك الدينار بكل موضوعيّة".... هههه…

هكذا هو حال الطبّوبي المطالب بالاستفتاء. وتخيّلته يتوجّه إلى الرئيس سعيّد: أطْلَعْ بهذاك الاستفتاء بكلّ موضوعيّة...من أجل الجمهوريّة الثالثة بوها...!!!

ولكم أن تتخيّلوا إجابة صاحب السيوف التي لا تُغمد…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات