كشّاف..

Photo

جماعة ثورة الجواعة اعتبروا الائتلاف الحكومي ترويكا 2. وبالنسبة إليهم وجه الشبه الوحيد هو وجود النهضة فيها. ويبدو لي أنّ هناك أوجه شبه أخرى ليس مهمّا ذكرها. والمهمّ هو المقارنة بين ما واجهته الترويكا 1 في نهاية عهدتها والترويكا 2 في بداية عهدتها التي انطلقت مع أزمة الوباء.

اجتمع على الترويكا 1 كلّ أكَلة الروز بالفاكية وما يمثّله من تحالف سياسي بوليسي زبوني واسع بقيادة المنظومة القديمة. ولكنّ التهديد الذي واجه تجربة الترويكا باعتبارها تعبيرا عن الاختيار الشعبي كان خارجيّا. وحتّى ما كان يحصل من تجاذبات واختلاف في التقدير بين الرئاسات الثلاث وبين الأحزاب المشكلّة للائتلاف الحكومي لم يهدّد وحدة التجربة وتماسكها واستمرارها. وربّما تمثّل "رخّة" سي مصطفى، بتعليق أعمال المجلس، استثناء مكّن الاعتصام من التقاط أنفاسه في لحظة انهياره. والخلاصة أنّ تحدّي الثورة المضادّة واستهدافه للاختيار الشعبي الحر بقي بالنسبة إلى الترويكا 1 في مجمله خارجيّا.

أمّا تجربة الترويكا 2 التي لم يمض عليها أكثر من ثلاثة أشهر فإنّها تواجه استهدافين:

1 ـ استهدافا خارجيا تمثّله ثورة الجواعة بقيادة فاطمة وبن حليمة وبن عرفة والرابحي والجيلاني...وهو تحدٍّ افتراضيّ لا صورة له في الواقع إلا الصدى الإعلامي بسبب ما تضمّنه من استهداف لمؤسسات الدولة وفي مقدّمتها البرلمان، ومن دعوة إلى العنف والاحتراب الأهلي. وهو في جوهره بالون اختبار يعتمد من قبل الجهات الراعية لـ"الجواعة".

2 ـ استهدافا داخليا وهو الأخطر طول مؤسسات الدولة الثلاث:

أ ـ في البرلمان يمثّله الحزب الفاشي، وقد نجح في هرسلة البرلمان وتعطيل دوره حين لم يجد تصدّيا مبدئيّا من قبل بقيّة الكتل على معنى أنّه مواجهة بين النهضة والتجمّع. وتستعاد بلطجة الحزب الفاشي في البرلمان هذه الأيام.

ب ـ للحكومة بغاية الحد من وحدة الائتلاف الحكومي الدنيا افتتحته حركة الشعب. ورغم ما يطفو على السطح من بعض الاختلافات بين مكوّنات الائتلاف الحكومي فإنّ الأداء أبان عن كثير من الانسجام. ولكنّ حركة الشعب عمدت إلى تفجير خلافات داخل الائتلاف من خلال بعض نوابها (الملف السوري/الليبي: المكّي) والخلاف الإيديلوجي الإسلامي القومي الممجوج (لبيض) وآخرها تصريحات أمينها العام.

الحزب الفاشي وحركة الشعب يتحركان على ضوء أجندة تتجاوز السياق التونسي. وبالنسبة إلى الحزب الفاشي الأمر أوضح من أن يُتحدّث عنه ولكنّه بالنسبة إلى حركة الشعب لافت للانتباه. وهو ما يعيد طرح السؤال عن جديّة مشاركة الشعب في الائتلاف الحكومة.

ج ـ لمؤسسة الرئاسة من قبل رئيس الجمهوريّة ودورها في تمثيل التوانسة ورعاية تجربة المسار الديمقراطي ومؤسسات الدولة. وكان منتظرا أن ينفي كل صلة بصفحات تتبعه انخرطت في ثورة الجواعة ولكنّه تبنّى ثرثرتها وزاد عليها في قبلّي.

هذا هو الوضع بالضبط. فالمنظومة التي كانت في أضعف حالاتها أمام نتائج الانتخابات الأخيرة وأمام حديث قيس سعيّد عن "مال الشعب" والتفويض الذي مُنِحَه رئيس الحكومة تكتشف انقلاب الوضع لصالحها في مواجهة شروط تأسيس الديمقراطيّة.

وهي تدرك أنّ هذا الوضع السياسي انطلق مع إسقاط حكومة الجملي و "بروفة 134". ولم يكن حدث الكورونا إلا قوسا صغيرا يجب أن يغلق لكي لا يكون سببا في تداعيات سياسيّة غير ملائمة. لذلك كانت العودة إلى التجاذبات سريعة ومن نقطة كانت توسّع الأمل بالانتصار التاريخي على الوباء.

والمنظومة تعرف أنّ خصمها في أضعف حالاته: فهو محاصر في البرلمان ومهموم في الحكومة بعد أن افتكّت منه رئاستها بواسطة الشاهد وأداتيْه الحزبيّتين. ومهدّد من قبل غموض سعيّد ومحيطه. وهذا ما يفسّر مفارقة تحالفاته في البرلمان والحكومة.

مقارنة بين استهداف الترويكا 1 وما سمّي الترويكا 2 كفيلة بإضاءة مساحة مهمّة من مشهدنا السياسي وتجاذباته. ولا نرى محاولات جمع شمل الائتلاف الحكومي (ميثاق التضامن) إلا تأجيلا لمواجهة يريدها البعض استهدافا لمؤسسات الدولة تحت عنوان الإنقاذ وإزاحة الإخوان وتعليق المسار الديمقراطي. ويراها البعض الآخر مواجهة بين المسار الديمقراطي ومدمني الروز بالفاكية، معركة بين الديمقراطيّة والاستبداد تحت سقف الدستور المتخلّف وإن اختلطت الصفوف وتداخلت الحدود.

وبسبب ضعف خصمها وغياب واجهة سياسيّة "عاقلة" تمثّلها (الباجي)، ولعلّه لا حاجة إليها الآن، فإنّ المنظومة تَكِل المهمّة إلى خليط يجمع بين الحزب الفاشي وبوليس بن علي السياسي وأنصار سعيّد وحركة الشعب...لإشاعة أجواء 30 يونيو ...ومن بعد ساهل...والسياسي الفذ هو من يمكنه التحرّك والمناورة (رغم ضعفه وانقسام صفّه) في المساحات الضيّقة عندما لا يبقى له سواها..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات