نفس جديد للثورة..

Photo

سقطت المنظومة برمّتها، الزبيدي والشاهد وموسي، ثلاث رؤساء حكومات، ومعهم الإمارات والإعلام بأبواقهم وقنواتهم وقاذوراتهم. انطوت النخبة القديمة برموزها وخطابها المتكلس ومن سار على دربها. اليوم تبدأ ثمار السنوات التسع، ناخبون جدد يدخلون الميدان، نخبة جديدة. الشباب المتعلم صوّت لقيس سعيّد القادم من خارج السيستام، ضد السيستام، بدون تجربة ولا حملة انتخابية ولا حتى حضور في الإعلام، ولكن معه الشعب. هذه هي الديمقراطية. تحي الديمقراطية.

إن ما حدث بمثابة نفخة أخرى في جسم الثورة التي أثخنوها بالجراح. نعم نفخة نفخها الشعب بعد أن كاد الجماعة يستيقنون بأنه قد استُبعد تماما من الشوارع، وبعد أن أوهموا أنفسهم بأنه يحنّ إلى العهد النوفمبري وأنه يفضل أيام المخلوع على ما يعيشه في ظل الضنك والغلاء. ها هو الشعب ينفخ نفخته الحاسمة. فإذا المنظومة تتشقق ولا ينفع إعلاميوها ولا مناشدوها.

وبالفعل فقد تلقت القنوات التلفزية والإذاعات ضربة قاسية من الشعب، بقدر موقعها كرأس حربة للمنظومة، فلم ينفع كرونيكاراتها ومحللوها، عكاشة وبوغلاب ومايا القصوري ولطفي العماري والفهري وووو.

هزيمة المنظومة جاءت من أنها راهنت على مثل هؤلاء بأساليبهم المنحطّة وعدوانيتهم المفتوحة وأمراضهم المزمنة وانغلاقهم على أنفسهم واستخفافهم بروح الشعب. المنظومة أوهمتهم أو توهمت أن الشعب قُدّ من طين بإمكانهم أن يشكلوه كما شاؤوا ويصنعوا هم الرأي العام ويوجهوه حسب أهوائهم وأوهامهم وأكاذيبهم وإشاعاتهم، فإذا بالشعب يبين أنهم لا شيء وأن عملهم مُحبَط، إذ تقدّم ليحقق النصر على أسيادهم وينتصر بالتالي عليهم هم.

هزيمة هؤلاء المحسوبين على الإعلام أقسى من هزيمة مشغليهم من سياسيين فاسدين ولوبيات وأجندات داخلية وخارجية، وهم الدليل القاطع على أن الإعلام الذي يريدون أن يفرضوه على الناس لا تأثير له إلا بقدر ضئيل، بل أن تأثيره العكسي أشد وأعتى. لقد تبين أن الشعب في أغلبه يتخذ مواقف معاكسة لما يخرج من هذه الأفواه الكريهة.

هي أيضا هزيمة نكراء للمناشدين من شتى الفئات ومن ضمنهم الجامعيون أمام جامعي واحد. وللتذكير هنا فقد كانت نسبة الجامعيين المناشدين في قائمة الألف مناشد في 2010 هي الأعلى بين القطاعات الأخرى، أكثر من الأطباء ومن المحامين بل أكثر حتى من طلبتهم.

لقد كانت المناشدة من أقدم التقاليد في ممارسة السياسة في بلادنا، عملية سهلة ومربحة في نفس الوقت، تعود إلى زمن بورقيبة وصولا إلى الباجي قايد السبسي في 2014، وفي هذه الانتخابات أيضا، مناشدون تقدموا مطأطئي الرؤوس أمام رأسي المنظومة كليهما.

بعضهم، أو أكثر من ذلك، طمعا في التموقع واحتلال الكراسي وزراء أو سفراء أو مستشارين، والبعض وقع إحراجهم من زملائهم فكانوا من المناشدين، والبعض لم تقع استشارتهم حتى ووجدوا أسماءهم في قائمات المناشدة. حريصون على ذلك رغم أن أكثرهم لا تسمع لهم في ميدان البحث العلمي ذكرا ولا ركزا. وكانوا في سعيهم فاشلين هذه المرة كما أن من سبقهم إلى المناصب والمراتب سجلوا الفشل تلو الآخر في أي ميدان كلفوا به إلا قليلا منهم.

قيس سعيد، جامعي أيضا، يمكنك أن تختلف معه طولا وعرضا، سطحا وعمقا، ويمكنك أن لا تنتخبه أيضا. ولكن لا تنكر أنه تقدم بنفسه كما هو. لم يرض باسمه ضمن قائمة المناشدين، ولم يسع إلى استرضاء جهة ما في الداخل أو الخارج. لم يكن معه حزب ولا لوبي ولا ماض ولا ظهور ولا تجربة ولا مال ولا إعلام ولا سيستام. كان بالفعل جامعيا مختلفا. ونجح في أن يحوز على صوت الشعب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات