الحرب على طرابلس : بدايات تحول في المشهد الليبي

Photo

من الحرب الاهلية إلى مواجهة بين مشروعين

انزلقت الثورة في ليبيا بعد فشل تجربة المؤتمر الوطني العام إلى الحرب الأهلية بخلفيات سياسية وعقدية وقبلية مناطقية، وهي معطيات لا تستبطن في ذاتها منوال الاحتراب الأهلي، ولكن بعض السياقات التي يتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي أفضت إلى الاحتراب وتغير خارطة التحالفات. وهي خارطة لم تستقر على حال بعد 2012.

وقد عرفت العاصمة طرابلس في وقت ليس بالبعيد تصادما بين قوى محسوبة على الثورة. وتكثف الاستثمار في العمل الميليشياوي للحساب الخاص، منها ما حمل اسم بعض الأفراد فصاروا أمراء حرب أو بعض الأحياء فصارت أشبه بالمجال الحيري المغلق.

وقد راهن حفتر على هذا المعطى في حربه على العاصمة، وأمكن له أن يمهد باختراقات ميلشياوية عن طريق مرتزقة وأخرى في تركيبة مجلس الدولة والعملية السياسية بمساعدة إماراتية ( المال) وأممية (غسان سلامة) ،

سبق المواجهةَ الحالية تطورٌ نحو الحل السياسي انجذب إليه أغلب مكونات الغرب الليبي السياسية والعسكرية مع تقدم في ترميم أجهزة المجلس العسكرية والأمني.

ويبدو أنّٰ هذا التقدم في العملية السياسية جعل المواجهة الحالية تنحو إلى خلاف ما خطط له، فكان الهجوم من أهم العوامل في اجتماع كلمة القوى المختلفة مؤسسية ( مجلس الدولة وحكومة الوفاق) وسياسية ( الأحزاب) ومدنية ( منظمات وجمعيات وروابط مهنية) وعسكرية (الجيش الليبي وقوى الأمن) وفصائلية وقبائلية مناطقية، على كلمة واحدة تلخصت في ليبيا الموحدة في ظل دولة مدنية ديمقراطية في مواجهة حكم عسكري شمولي هو أقصى ما يمكن أن يساهم به نظام الاستبداد العربي.

لذلك لا يمكن بأي حال من الاحوال اعتبار المواجهة بين حفتر وطرابلس امتدادا للحرب الأهلية وجولة من جولاتها. ما يحدث اليوم ليس حربا أهلية بقدرما هو استعادة للحظة 17 فبراير، وهذا ما يتواتر في خطاب خصوم حفتر السياسيين وعند قطاع واسع من الليبيين، فهم لم يثوروا على نظام القذافي ليحكمهم بالأدوات نفسها نسخة مشوهة منه. ولهذا التوصيف السياسي أثر رمزي بالغ على طبيعة المواجهة والقوى المواجهة لحفتر وما يجمعها من روابط.

هل نقول إننا بإزاء مواجهة بين مشروعين؟

السياق الإقليمي وتحديدا المغاربي يدفع إلى أن الفرز الذي تعرفه ليبيا يأتي ضمن موجة جديدة للربيع مركزها الجزائر تنذر بالتوسع وبرسالة قوية : الربيع مسار وقوس مفتوح. وتمثل معركة طرابلس منازلة حاسمة، مثلما أشار الصديق سامي براهم في إحدى تدويناته، تهدف فيها الثورة المضادة ( مصر، السعودية، الإمارات ) المدعومة، بدرجات متفاوتة وصيغ مختلفة باختلاف المصالح، دوليا ( الأمريكان والروس والطليان والفرنسيس )، والثورة في إنعاشها الجزائرية وتصميمها السوداني.

فبينما يمثّٰل نجاح الثورة في السودان خسارة استراتيجية لنظام السيسي يمثّٰل نجاح الحراك الجزائري في فرض الانتقال إلى الديمقراطية تحولا جذريا في المغرب العربي الجار العربي الأقرب إلى أوروبا لصالح المشاركة السياسية الشعبية الواسعة وبناء الدولة الديمقراطية، ونموذجا في الخروج من دولة الجيش إلى جيش الدولة.

هذا التحوّٰل تتهدد تواصله مخاطر عدة في مقدمتها ما يختزنه "صف الثورة" من اختلافات ومن تباين في العلاقة بثورة 17 فبراير ، ومن قابلية بعض مكوناته للاستجابة لإغراءات المال الإماراتي السعودي وضغوط الديبلوماسية الفرنسية التي ترى في حفتر الممثل الأنسب لإمضاء ما تطلبه من عقود النفط والغاز وسائر ثروات الليبيين.

المفروض أن يكون هذا الفرز، وقد سرّع من وتيرته الهجوم على العاصمة، لحاما قويا للمكونات المدافعة عن طرابلس بمرجعية الثورة والشرعية والدولة الديمقراطية، ولكن للسياسة والمصالح أدوار الخفي منها أشد وأنفذ من الجلي. وهو تحول مشدود إلى جدل الإقليمي ( موجة الربيع الثاني) والمحلي ( مكونات المشهد الليبي)، ويبدو أثر الإقليمي في بداية المواجهة أقوى. ولعله العامل الأساسي في التحوّٰل الذي يعرفه المشهد.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات