إضراب عام مؤشر على النجاح..

Photo

لا أقصد بنجاح الإضراب من خلال نسبة المشاركة المعلنة منذ الصباح الباكر، فتلك النسب بالذات لو اقتصرنا عليها لاعتبرنا الإضراب فاشلا، بقدر ما نسبة المائة بالمائة والنسب القريبة منها تذكر بنسبة المشاركة والفوز في الانتخابات الرئاسية العربية. وإنما أقصد بالنجاح، نجاح تونس في سيرها في طريق الديمقراطية والحرية. إضراب عام يتم في كامل الهدوء. قارنوا فقط..

وهنا فالإضراب العام في 26 جانفي 1978 في العهد البورقيبي يمكن مقارنته بالإضراب العام ليوم 5 أوت 1947، في العهد الاستعماري. كلاهما انتهى بالرصاص والدماء والدموع، والشهداء والجرحى والمساجين.

دعك من الشعارات المستمدّة من مبادئ الثورة الفرنسية حول الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وحقوق الحيوان. دعك أيضا ممن يحنّون إلى الزمن البورقيبي، فعدد الذين سقطوا في 26 جانفي لم يسقط مثلهم في أي مواجهة مماثلة زمن الاستعمار. ومثلما لم يحاكم القتلة يوم 5 أوت لم يحاكم القتلة في 26 جانفي، وفي المقابل حوكم النقابيون في الحادثتين، ومن سخرية القدر أن الحبيب عاشور قد حوكم إثر ذينك الإضرابين العامين.

فبحيث إضراب 17 جانفي 2019 لا يمكن مقارنته، يا سيادة الرئيس بإضراب 26 جانفي 1978. لم يستشهد خلاله شخص واحد، ولم تنطلق فيه رصاصة واحدة، ولا جرح فيه شخص واحد، ولم ينكسر فص من البلور، ولا حدث فيه حتى تدافع مثل الذي نراه في مباريات كرة القدم. هذا الإضراب العام درسٌ في البلاغة.

إضراب عام وبقطع النظر عن مطالبه وسياقاته وحتى ما تخلله ودار حوله من تهويمات أو تنبؤات، دلل بما لا يدع مجالا للشك، أن تونس قد شُفيت من التقاليد السلطوية في مواجهة الإضرابات والإضرابات العامة بالذات، وأنه كان مناسبة للتدليل على أن المتطرفين لا يقرؤون التاريخ، ولذلك تراهم يتمنون أو يسعون إلى حدوث المواجهات حتى يستثمروا في الدماء، ولكنهم فاشلون. نحن الآن في ديمقراطية حيث الإضراب حق يكفله الدستور. وحيث أن تونس تسع الجميع.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات