ورشات الإرهاب..

Photo

الذين يحنّون إلى إعادة نظام الاستبداد على الطريقة النوفمبرية البائسة أو ما يشبهها، بدعوى الأمن حتى على حساب الحرية، لاشك أن ذاكرتهم ضعيفة أو ليست لهم القدرة على الربط بين النتيجة والسبب، أو أنهم سذج أو حتى مغرر بهم، وفي كل الحالات تعوزهم معرفة التاريخ أو قراءة التاريخ. لأن الإرهاب –بكل بساطة- ليس سببه الحرية ولا أجواء الحرية. والدليل على ذلك جنسيات أو بالأحرى أصول الإرهابيين. فهؤلاء ينحدرون من البلدان ذات الأنظمة الاستبدادية، على طول الخريطة العربية الإسلامية. دعك من القول إن فيهم أوربيين أو فرنسيين وأن هذه البلدان تتوفر فيها الحرية. فما نعرفه أن الإرهابيين هؤلاء هم في الغالب –يجب أن نعترف- من أصول نفس البلدان الاستبدادية، أما من هم من أصول أوربية فعلا، فهم أولا قليلون وثانيا لا نعرف صلاتهم بدوائر المخابرات.

وعلى أية حال من خلال النموذج التونسي، صانع الإرهاب هو النظام الذي أرساه "صانع التغيير" أي النظام النوفمبري نفسه، والورشات التي تخرج منها الإرهابيون، والبرامج التي صيّرتهم على ما هم عليه وضعتها "لجان التفكير" التجمعية، فقط هذه اللجان لم تستطع أن تستشرف نتائج ما كانت تقترحه وتخطط له وتبدعه بنات "تفكيرها". فكان الفشل حليفها وهذا طبيعي، ففي واقع كل ما فيه فاشل لا يمكن أن نرى إلا الفشل، هنا في التفكير، وإلى جانب ذلك الفشل في الاقتصاد وفي التنمية وفي التوازن الجهوي... فشل مثل كل الأفشال المجاورة.

والنتيجة أنه مثلما تصاعدت مؤشرات الفساد، تصاعد الإرهاب. هذا من هذا. وها أن البلاد تدفع اليوم فاتورة ما قامت به تلك اللجان في التعليم والتربية والثقافة والإعلام. واصطف البرلماني والجلاد والسينمائي والشاعر والنادل والنقابي والحزبي والحقوقي والمعارض والسجين والمسرّح والمسرحي والرياضي، في كتيبة واحدة... تتذكرون إصلاح الشرفي. وسينما الحمّام والحومة العربي. وحبيبة مسيكة. الهدف واحد: لا هدف. والنتيجة في المقابل إرهابيون.

قبل الثورة بسنوات طويلة كان الإرهابيون التونسيون في كل الجبهات الحارة تقريبا، وكانوا الأعنف في إرهابهم منذ زمن "صانع التغيير"، نذكر هنا فقط قاتل أحمد شاه مسعود قبل 11 سبتمبر بيومين. كذلك أحداث سليمان الإرهابية في 2006 في ظل قانون 2003 لمكافحة الإرهاب. وهو ما يعني أن الأمن لم يتحقق إلا على شفاه من كانت تتغنى صباحا مساء آنذاك "بالأمن والأمان يحيا هنا الإنسان". القمع لم يولد إلا إرهابا متناسبا. والتطرف ليس إلا نتيجة تطرف مقابل. والاستبداد لا يتولد عنه إلا فكر استبدادي قد يتغطى بالدين حتى يجد شرعية أقوى، ولكنه لا يخرج عن كونه الابن الشرعي للاستبداد.

وأما الذين يخططون لكي يعيدوا عجلة الاستبداد للاشتغال من جديد تحت يافطة الأمن، فهم واهمون في اعتقادهم، بما يكشف عن قصورهم الوراثي في التفكير والتنظير والتخطيط، أو هم بالأحرى متآمرون بحيث يستغلون الوضع لكي يدوسوا على الحريات ليس إلا، ولو تمكنوا –لا قدر الله- فلن ينجحوا –في أحسن الحالات- إلا في تهيئة بيئة جديدة لإرهاب أكثر توحشا وفجورا وإجراما.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات