من يعتقد أن ما تفتقد إليه منظومتنا الإقتصادية هو تنصيص دستوري هو إمّا جاهل أو له من الغباء ما يجعله فوق النقد و فوق المحاججة.
منظومتنا الإقتصادية لم تستطع خلق ثروة اولا كافية و ثانيا إدماجية و ثالثا مستديمة لأسباب عديدة فيها الهيكلي و فيها الظرفي. و ما يخفى على العميد و أغلب المنصّبين معه أن المسألة تتعلق بمسائل بنيوية قديمة و تتعلق بسياسات عمومية فرضت مناويل تنموية إستنفذت كل ما لديها و تتعلق بتنظيم مناخ متكامل يسمح بخلق ثروة كافية و إدماجية و مستديمة.
لو أردنا توصيف المنظومة الإقتصادية التونسية في الغالب (مع بعض الإستثناءات) لن نجد أحسن من توصيفها كإقتصاد ريعي تحت حماية دولة ريعية، هو لا ينتمي لا الى الإقتصاد الحر و لا الليبيرالي و لا الإشتراكي و لا الإجتماعي.. الدّولة كفاعل إقتصادي مباشر و كهيكل تعديلي و رقابي فشلت فشلا ذريعا.
الإقتصاد الإنتاجي لا يتجاوز 32 بالمئة من المنتوج القومي الخام، عدد مؤسساتنا الإقتصادية و التي تستحق هذا الإسم لا يتجاوز 16 ألف مؤسسة إقتصادية من مجموع ما يناهز 800 ألف باتيندة و كلها تعاني من أربع مشاكل هيكلية لا يسمح لها بقدرة تنافسة عالية : ضعف هيكلي لرأس المال و إندماج ضعيف مع بقية النسيج و تأطير ضعيف مع غياب للإبتكار و التجديد.
و هناك الكثير كذلك مما يجب قوله على القطاعات الإقتصادية قطاعا قطاعا مما يستوجب رؤية و إستشرافا لم تستطع حكومات ما بعد الثورة بلورتهما. و المسألة ليست قصورا دستوريا و إنما قصور معرفي لأصحاب القرار لمعرفة الإخلالات البنيوية التي لا تسمح لبلدنا بالرغم من الميزات التي تتوفر لدينا لخلق ثروة فيها الميزات التي أسلفنا و الإجابة عليها بسياسات عمومية مبتكرة.
كان من الممكن إعطاء المسألة حظها في النقاش العام من غير تشنج و لكن رجال القانون المسيطرين على المشهد منذ الثورة يحتكرون النقاش العام في دائرة إختصاصهم.
للتذكير فقط، فشل دستور 2014 في ذكر "حرية المبادرة" كحرية مع باقي الحريات المذكورة، لأسباب إيديولوجية بحتة. هل كان لذلك أي تأثير يذكر على الواقع الإجرائي أو القانوني؟
ماذا سيبقى في التاريخ لكل فترة ما بعد 2011 بإستثناء سيطرة أهل القانون و فشل التجربة الديمقراطية في مراحلها الاولى؟