الى عمداء كليات الحقوق : فلتحيا الجامعة التونسية

تحية كبرى الى عمداء كليات الحقوق : أين كنا وكيف أصبحنا ؟

إحالة عمداء كليات الحقوق في رسالة رفضهم لعضوية »الهيئة الاستشارية من اجل جمهورية جديدة » على الدستور أمر في غاية الأهمية وانا أباركه واعتبره انتصارا باهرا للجامعة التونسية باسرها وليس فقط لكليات الحقوق وذلك بالتذكير بمقتضيات الفصل 15 منه » الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام. تُنظّم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام، ووفق قواعد الشفافية، والنزاهة والنجاعة والمساءلة » .

ولكن كنت أتمنى ان يقع الاحالة على الفصل 33 من الدستور ايضا » . الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي مضمونة. توفر الدولة الإمكانيات اللازمة لتطوير البحث العلمي والتكنولوجي ». خاصة وانهم يذكرون بالحرية الاكاديمية في رسالتهم هذا الفصل كان ثمرة نضال الجامعيين بعد ان كان التجمع وازلامه قبل الثورة يستبيحون الجامعة جهارا نهارا ويرهبون الجامعيين.

أذكر ان أستاذا في قسم العربية جاءني يوما وكنت بقاعة نسميها في كلية الآداب منوبة قاعة « سكينة» باسم كاتبة ارتبط اسمها بالكلية منذ تأسيسها تقريبا. وكانت تشرف على هذه القاعة . توفيت فاختار الجامعيون بشكل غير رسمي ان يسموا القاعة باسمها وهي قاعة مخصصة للأساتذة وتحتوى بعض المراجع الكبرى ..كنت أمر بها في أيام عملي بالكلية لأراجع كتابا او لقراءة الصحف اليومية والمجلات الدولية التي كانت توضع على ذمة الاساتذة هناك. كنت قد انتقلت للتو من كلية الآداب بالقيروان الى كلية الآداب بمنوبة.

جلس الاستاذ المرحوم ( توفي من سنوات) بجانبي ولم يكن له معرفة بي وطلب مني ان اشتري بطاقة انخراط في التجمع ..نعم بطاقة انخراط في التجمع . نظرت اليه وكنت اعرف جيدا انتماءه لعصابة بن علي وللشعبة المهنية. قلت له « يا فلان ..حرمة الجامعة تمنعك من استغلال وجودك هنا للقيام بأية دعاية حزبية » ..لم اجد غير حرمة الجامعة لأحججها بها لم يكن لدي الفصل 15 من الدستور ولا الفصل 33 ولا الفصل 16 الذي سأعود اليه.

و اضفت «لعلمك فاني نقابي وعضو في نقابة الاساتذة الباحثين واذا وجدتك في المستقبل تبيع مثل هذه البطاقات المخزية في ولائها للاستبداد في الجامعة او أعلمني زميل بأنك تراوده على أخلاقه وضميره لتجبره على شرائها ( على فكرة كانت هذه البطاقة تفرض على جميع الأعوان الإداريين في الوظيفة العمومية والقطاع العام وكانت الشعب المهنية تتكفل بذلك ) فأقسم اني سأفضحك ولو استدعى الامر الدعوة الى اجتماع نقابي عاجل « .

كانت الجامعة مع الأسف قبل الثورة وكرا من اوكار التجمع وكان الارتباط بينها و بين السياسيين التجمعيين معروفة .ناهيك ان بعض اجتماعات الجامعيين الداخلية في تقييم عملهم البيداغوجي كانت تقع احيانا بمحضر المسؤولين السياسيين التجمعيين.

وقع ذلك فعلا في كلية الآداب بالقيروان. فلقد حضرت مرة اجتماعا لتقييم عمل الكلية في السداسية الاولى بمحضر« الأخ » الوالي و« الإخوة » « المعتمدين» بمبادرة من عميد لا اريد ان أسميه صار اليوم من انصار انقلاب 25 جويلية كان ذلك في العام الأول من تعييني في كلية القيروان.. تدخلت في الاجتماع وكاد هذا التدخل ان يكلفني ترسيمي بالجامعة كأستاذ مساعد. .. الغريب انه لا أحد تقريبا اعترض على هذا الاجتماع المخجل غير بضعة نقابيين.

كان الخوف في كل مكان في الجامعة . وعدا بعض النقابيين الذين تعلموا في الاتحاد الوقوف في وجه السلطة فان الاذعان والخضوع كانا سائدين ..مع العلم ان الوثائق التي عثر عليها بعد الثورة في مقرات » لجان التنسيق الحزبي » التابعة للتجمع كانت تحتوى بطاقات انخراط .وكان للجامعيين فيها نصيب كبير.

الفصل 33 من الدستور هو ثمرة نضال الجامعيين كما الفصل 16 أيضا والذي ينص على ان الدولة » تضمن حياد المؤسسات التربوية عن التوظيف الحزبي ».

تحية كبرى للعمداء فرسالتهم التي سيحفظها التاريخ بلا شك و الرافضة لحشرهم في حوار صوري تشرفهم جميعا كما تشرف كل جامعي سواء كان استاذ قانون او في اي اختصاص آخر فالجامعة كيان واحد لا يتجزأ.

من لا يعرف ماضي الجامعة في عهد الاستبداد لا يستطيع تقدير ما فعله العمداء كما يقدره من عرفوا الجامعة وما كانت ترزح تحته من مذلة و خضوع .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات