نحن أمام تهرئة متعمّدة للدولة.. وللحد الأدنى من القيم الجامعة…

رئيس الحكومة يقيل رئيس هيئة مكافحة الفساد.. وهو قاض.. (بالمناسبة فضيحة أن يكون منصب كهذا تحت رحمة سلطة تنفيذ مكلفة عمليا الآن بإدارة التوازن بين أجنحة الفساد).. السبب غير المعلن رسميا والواضح أن القاضي المقال هو من سلّم رئيس الدولة ملفات بعض وزراء مقترحين - دون غيرهم- لتمكين الرئيس من أداة تعطيل تحوير وزاري نكاية في المشيشي المتمرد الذي أراد من التحوير تطهيرا شاملا لحكومته من وزراء الرئيس. وهي ملفات يراد لها أن تبقى في مستوى الشبهات ولا تتحول أبدا إلى قضايا..

هذه عندي مسلّمة.. لأن الفساد داخل كل أجهزة الدولة يصرخ من تلقاء نفسه.. ولكن أجهزة التحقيق القضائي/السياسي تعالجه بملفات تتعمّد أن تجعلها غير مكتملة باستمرار.. والقاضي "النظيف"الذي ذهب إلى الرئيس شاكيا باكيا لو أنه أراد لاستكملها ولأحالها بنفسه.. أو عبر الرئيس "الأنظف" إلى القضاء.. لا أن يكتفى بتمكين الرئيس من أداة مناورة سياسية رخيصة تذهب المصداقية عن الجميع.. وتخلق هذا الوضع المخزي من العطالة الحكومية والسياسية الشاملة.. عطالة لا تنذر بتفتت الدولة.. بل تفتتها فعليا.

القاضي الجديد الذي عينه المشيشي خلفا لبوخريص تحركت ضده مباشرة "جمعيات الحسبة الحديثة" أي "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نسختها المعدلة حداثيا".. وعلى رأسها "أنا يقظ.. وعلى الذمة".. ل"تكشف" للرأي العام.. حبا فيه وحفاظا على أخلاقه.. شبهات فساد وقرابة مع المشيشي وتضارب مصالح.

لا تنسوا أن الانتخابات الأخيرة في دورتيها حسمتها مناورات رخيصة اتخذت من موضوع محاربة الفساد حصان طروادة. الشاهد سجن القروي بتهم فساد هو أول من يعلم أنها نقطة في بحر الفساد الكبير الذي يسبح فيه هو نفسه. الشاهد البائس هو أيضا من سجن شفيق الجراية في إطار معركته مع ممولي النداء الذين لم يحولوا خدماتهم إلى شخصه..

الصعود الدرامي التراجيدي للرئيس الفضيحة حصل بفضل.. أقول جيدا بفضل تسريب متعمّد حجما وتوقيتا لحكاية اللوبيينغ مع شركة أمريكية صاحبها صهيوني.. وكأن ماكرون الذي سيحضنه سعيد فيما بعد عضو في تنظيم فدائي فلسطيني يقاوم الصهيونية من أنفاق الاليزي.. حتى قصة الفخفاخ كانت من تدبير الشاهد والطبيب.. وما يجري الآن حلقة أخرى من نفس المسخرة.

ببساطة...

كل ما يجري أمامنا الآن من دعاوى طهارة ليس إلا قذارة تمارس رسميا..وتديرها من وراء الستار لوبيات المافيا التي تشرف على شبه دولة بالكاد تستمر في الحياة لتضمن استمرار اقتصاد مافيوي يستثمر في الفساد. والحصيلة الكارثة الماثلة أمامنا هي التهرئة اليومية للقيمة الأخلاقية وتمييعها في وعي الناس. الناس الذين يعيشون يوميات تنازع وحشي على جثة الدولة :

كل السياسيين يمكن اختزال هوياتهم الآن في أنهم مجرد متلاعبين بملفات الفساد.. فيهم متخصصون في تركيبها ونبشها والتلويح بها واختيار مواقيت إثارتها.. وفيهم من يتخذ من مقاومة الفساد مبررا للانقلاب.. وفيهم من يخوض ضد الفساد معارك كلامية في العلن ويعقد معه الصفقات السياسية سرا باسم التكتيك...

والأكيد أن هؤلاء جميعا.. وليس هذا من باب التعميم الكسول.. يدركون طبيعة الفساد في تونس وحجمه وشبكاته وعناوينه بدقة متفاوتة طبعا.. ولكنهم جميعا تورطوا فيه بأقدار أيضا.

والحل ؟

موش يقولوا في تونس "تبّع السارق لباب الدار"؟ وكي يبدوا برشا سرّاق والمسروق واحد؟ جماعة التفكير الرياضي شغلولنا عقلكم التجريدي والتجريبي.. هيا تحلحزوا رانا اتخذنا.

العرف الأكبر للقضاة..

العرف الأكبر للقضاة.. يعني قاضي القضاة تقول أنت.. عندو قضايا فساد راقدة وشابعة بالنوم.. ومعاه 14 قاضٍ في الحكاية.. يعني شبكة يا بوڤلب.. هذا كلام تفقدية وزارة العدل موش إشاعات.. ومع ذلك قاعدين شايخين في النعم اللي حصلوا عليها بعرق جبينهم.. ويخرجولنا في لساناتهم من شدة الفخر.. بلوغة أخرى قالولكم تو تعملولنا عملة…


…

المكلف الأول بمكافحة الفساد قاللنا راهي وزارة الصحة تقتل فيكم وتستعمل في تلاقيح فاسدة.. وهو التحفون كان لاهي يلعب في طرح خربقة مصيري.. وداب ما كمل الطرح وأقالوه.. قاللنا طول.. والرئيس النظيف طبعا تعاطف معاه في محنتو العظيمة علللخر.. بالعمل استقبلو وتضامن معاه وقالو لا تحزن إن الله معنا…

وزارة الصحة كذّبت.. يعني المفروض القاضي المقال يا يثبت كلامو يا يشد الحبس.. كان جا مواطن عادي يخرّج معلومة خطيرة كيما هذي ويعجز عن إثباتها مشى زيزي…

في الأثناء.. أنا نحب نشكي بروحي لدى القضاء.. بتهمة الإقامة على التراب التونسي بدون رخصة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات