العدل قبل العفو

Photo

بعض الإسلاميين يتصوّرون أنّهم وحدهم او هم الطّرف الأبرز الذي تتعلّق به انتهاكات منظومة الفساد والاستبداد لذلك فلهم تفويض حصريّ للعفو وإنهاء مسار العدالة الانتقالية وطيّ صفحة الاستبداد …

من خلال اشتغالي مدّة قصيرة في هيئة الحقيقة والكرامة اكتشفت أنّهم فئة قليلة من الضّحايا الذين تعرّضوا للانتهاكات وفاصل في مسار العذابات والانتهاكات التي شملت أجيالا وفئات من كلّ الألوان على امتداد تاريخ دولة الاستقلال وجغرافيا البلد ومنافيه " المدّة المشمولة قانونا بملفات الانتهاكات تقع بين 1955 و 2013 " .

لذلك لا حقّ لهم في تقرير إنهاء هذا الملفّ وتصفية مخلفاته بشكل منفرد وبالوكالة عن عموم ضحايا سياسات الانتهاك والتّدمير على امتداد الأجيال والحقبات.

كلّما خبت أسماؤهم وغمرتهم الأحداث وتجاوزتهم الوقائع يخرج علينا البعض بتقليعات ليعلنوا من خلالها عن وجودهم ويقولوا نحن هنا … تقليعة العفو وكظم الغيظ وخفض الجناح وحمامات السّلام المرفرفة لا تنطلي إلّا على ضعيفي الإدراك ومن يعانون من الهشاشة النفسيّة …

كأنّ البلد لم يشهد مسارا للعدالة الانتقاليّة وله مخرجات واستحقاقات لا تزال معلّقة من بينها المصالحة المشروطة بالإنصاف… كأن لا وجود لمحاكم منتصبة ضمن مسار التّقاضي في الدّوائر المتخصّصة يراد إجهاض من خلال صفقات مشبوهة …

كأنّ الضّحايا الذين لا تزال اعتصاماتهم مفتوحة وقع إنصافهم ولم يبق إلّا العفو لتضميد جراح حقبة الاستبداد … قالت العرب قديما العفو عند المقدرة … لا عفو العاجز الخائف الذي لا زال في طور تأمين شروط وجوده. حقيقة لم نعد نفهم كيف يتصرّف البعض بل كيف يفكّرون … من وكّلهم على الدّماء والفروج والعذابات؟ …

هل هم أولياء دماء؟ هل هم أوصياء على المعذّبين؟ هل هم مفوّضون من الضّحايا؟ هل يملك رأسا السّلطة التنفيذيّة أيقاف مسار العدالة؟ هل يدوسون على كلّ الأعراف والقيم والحقوق ومشاعر الضّحايا لتحقيق سمعة أو وجاهة أو جني ثناء وصنع صورة حمائم للسّلام؟ " حتّى حمامات السّلام يشتبه في استيلائها على قمحات الشّعب البائس ولم تراع حاجته للرّغيف زمن الوباء "

المخلوع أفضى إلى عدالة السّماء وعائلته تتنعّم بما نهبته من أموال الشّعب البائس طيلة سنين الحكم ويشملها ما يشمل كلّ التّونسيين والتّونسيّات من حقوق وواجبات دون تمييز أو زيادة أو نقصان … فمن كان له فائض حنان ورقّ قلبه لابنه الذي لا ذنب له في ما اقترفت الأيدي الآثمة لعائلته فليكفله وإلّا فللدّولة مراكز أيواء ومجلّة لحقوق الطّفل داس عليها والده عندما يتّم الأطفال وداهم المنازل في الليل وعذّب الآباء وروّع الأمّهات أمام أعين أطفالهم …

لكن تونس الثّورة رغم كلّ تركة الفساد والاستبداد وتعثّرات المسار لن تتوانى في حماية حقوق أطفالها حتّى لو كانوا من أصلاب السفّاحين … كفاكم عبثا وتجديفا ضدّ التيّار استووا واستحوا واستقيموا يرحمكم الله فالعدل قبل العفو أساس العمران …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات