اعتذار لن يكون وحرج لا يزول. لماذا؟

Photo

كان واضحا وقبل مناقشتها ان لائحة طلب اعتذار فرنسا عن سنوات الاستعمار لن تمر وقد " جاءت كما ذهبت على عجل". لم تمر لأسباب عديدة منها حالة التوجس من الجهة التي طرحتها وتوقيتها ومناخ المناكفة في البرلمان وما جاوره وشدة تشبيك الاقتصاد التونسي مع الطرف الفرنسي والجدل حول طبيعة الاستقلال الذي لم تحسمه العدالة الانتقالية وانحياز طيف هام من المؤرخين لسردية على حساب سرديات أخرى والتدخل الفرنسي غير المباشر في التوازنات السياسية القائمة وتحوله من مساندة الدكتاتورية الى احتواء الثورة ودعم الاصدقاء.

لم تتهيأ الظروف لطرح مسالة الاعتذار وتوسيع دائرة الوفاق حولها على قاعدة الوحدة الوطنية. وبدا كما لو ان طرحها لم يبحث ولم يحرص على نجاحها.

يبدو ان الجهة التي طرحت اللائحة ليس لها ما تخسره. ان مرت هذه اللائحة تكون قد سجلت سبقا واهدافا بالجملة وان لم تمر تكون قد رفعت السقف عاليا امام خصومها وطعنت في وطنيتهم واحرجت اصدقائها امام قواعدهم تمهيدا لسحبهم انتخابيا الى دائرتها. وتكون قد تماهت مع بعض رهانات الثورة (وزخمها العاطفي) في التعاطي مع الماضي والمستقبل لكن بالقفز على التوازنات السياسية القائمة وبعثرة مقوماتها. ونحن هنا لا نناقش لا مشروعية اللائحة ولا نبل الهدف ولا نحاكم النوايا.

من تابع نسق الخطاب في مناقشة اللائحة يمكن ان يلاحظ بسهولة تكتيكات مختلفة لنقاش اللائحة: من هذه التكتيكات التعويم لدى اصحاب الخطاب السيادي وذلك بالتذكير بالحضور العثماني التركي قبل الفرنسي مع جهل واضح بسياق نشأة الدولة الحسينية. وقد استدعى النقاش الحضور الفينيقي والروماني والوندالي وغيره. لم يخف خطاب التعويم الاحالة على الحاضر والتذكير بالتنافس الفرنسي التركي وحتى الصيني في شمال افريقيا. ولم يخف الخطاب لغة التخوين والاشارة غير المباشرة الى ان طرح اللائحة هو مصلحة تركية تمر عبر أذرع في الداخل.

تكتيك التعويم رافقه ووازاه تكتيك الاستعادة récupération والمزايدة surenchère وهو خطاب سليل العائلة الدستورية التجمعية والذي كان يلح على ان اللائحة لا تحرجهم في شيء. وكان هناك اصرار على تثبيت السردية البورقيبية للاستقلال وللعلاقة مع فرنسا واشتراط الاعتراف ببعض الرموز الوطنية دون سواها. ولم يخف الخطاب التخوين والتشكيك في النوايا وترذيل فكرة التعويضات مع لمز وهمز الى تعويضات اخرى لم تصل اصحابها بعد.

لم تحرج اللائحة اذن الا طرفا واحدا هو دادة عيشة التي خبرت النوايا والسياقات وهي تدرك ان مساندة هذه اللائحة مشكلة واسقاطها مشكلة. وكان الموقف باهتا والتصويت مشتتا والاخراج سيئا. تعرف دادة عيشة جيدا ان موضوعا كهذا يحتاجا فعلا اجماعا وطنيا واسعا لم تتوفر شروطه الذاتية والموضوعية بعد. كما ان كلفته السياسية والوطنية عالية ولا طاقة لها في الظرف الحالي على تحملها لوحدها امام الاصرار على اعتبار اصحاب اللائحة امتدادا لها.

ثم ان رهانها على المصالحات والتسويات التاريخية وتجاوز العزلة وانجاح المسار وتقليص دائرة العداوة في الداخل والخارج والاشتباك قد تحول لديها من مخاتلة وتكتيك الى خط استراتيجي من العبث التضحية به تحت ضغط المزايدات او المناكفات والنيران الصديقة.

العلاقة مع فرنسا كما العلاقة مع الاعلام ومع الاتحاد وربما علاقات اخرى بنفس الاهمية تلح دادة عيشة انها ليست في خصومة معها لكن الخصومة قائمة من داخل هذه الجهات ومتلبسة وفتيل الاشتعال جاهز امام ذوي المصلحة والضغينة. تراهن دادة عيشة على بناء علاقات جديدة ويرى قطاع واسع من قواعدها ومن محيطها الانتخابي انها تخضع للابتزاز وتخسر امام قوى الضغط الساكنة لهذه الجهات. ويعمل خصومها على منع قيام اي تسوية او تطبيع حالة مع هذه الجهات وهي تستقوي بها وتستدعيها وتستديم التوتر حولها.

وبالتالي دادة عيشة لا تتحمل لوحدها هذه الخيبات الوطنية لكنها في حاجة الى تسويق أفضل لصورتها ولمواقفها والى ثقة قواعدها وضغطهم الايجابي بعيد النظر وغير الغوغائي.

هذه اللائحة وغيرها من مشاريع القوانين واللوائح المقترحة تستهلك قضايا مصيرية في مناخات متوترة. وتلقي بظلالها على السجال الوطني والعلاقات الخارجية وتحتاج الوفاق او اللوبيينغ الايجابي لتمريرها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات