كيف تحول التشيع من مذهب ديني إلى إيديولوجية إمبراطورية؟؟

Photo

هذا الموضوع متشعب تاريخيا ودينيا وسياسيا لا يمكن اختزاله هنا في هذا المقام لكني سأبدأ من سؤال أراه يتكرر لدى كثيرين، لماذا يتحول البعض إلى ابواق تدافع عن ايران بطريقة يتداخل فيها الولاء العقائدي بالولاء السياسي؟،

ولماذا البعض أصبح ايرانيا أكثر من الايرانيين ولو كان هناك في إيران لكان منخرطا في الحرس الثوري واكثرهم قسوة وعنفا في الدفاع عن السياسات الحكومية بخيرها وشرها؟

ولفهم هذا الموضوع لا بد من العودة إلى التاريخ ومساراته منذ كان التشيّع في الأصل عربي النشأة والمرجعية رغم اختلاط أجناسه و أعراقه .تهيمن عليه مقولات علماء النجف أساسا وكربلاء ويتمركز اساسا في العراق التي مثلت قبلة شيعة العالم لعدة اعتبارات سياسية ولأحقيتها بذلك التاريخية منذ انتقل الإمام علي في ظروف حرجة ومفصلية لعاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة.

كانت هذه الرمزية الضخمة سلطة تسيل لعاب الكثيرين سياسيا نظرا لذلك الارتباط والاتباع الصارم عند الشيعة لمرجعياتهم وهو ما أطلق عليه الفيلسوف الفرنسي هنري كوربان "fidélité spirituelle " اي الولاء الروحي في المنظومة الشيعية التي مثلت حجر الاساس في استمرار المذهب وسط المتقلبات السياسية وهو ما كان يطمح اليه الحكام في إيجاد اتباع موالين ومنظمين...وسعى اليه العقل السياسي الفارسي في براغماتيته التاريخية وظهر في القرن السادس عشر مشروعا متكاملا،

تأسست الدولة الصفوية على ركام من قمع المغول وجلفهم وأعلن إسماعيل ميرزا أن التشيع أصبح مذهب الدولة الصفوية منذ سنة 1524 م بالرغم أن الصفويين كانوا أول الأمر صوفية وشيخهم المؤسس صفي الدين الأردبيلي شافعيا فقد كان التشيع في بلاد فارس يسيل لعاب الدولة والعائلة الحاكمة للبحث عن مشروعية مقدسة للحكم لتظهر ميليشيات القزلباش التركمان المتطرفة لإرغام الناس على التمذهب الجعفري بالقوة والعنف كسياسة دولة.... (الموضوع طويل لا يسعه الفايسبوك).

مع ذلك لم تستطع مرجعيات قم ومشهد الهيمنة على المذهب الشيعي في العالم بصفة كلية رغم ظهور مدارس فلسفية رائدة وعميقة في أصفهان وشيراز لأن التشيع بقي في بيئته العربية في العراق في النجف وكربلاء إلى حين تأسيس جمهورية إيران الإسلامية لتنشأ خلافات فقهية وعقائدية كبرى بين التشيع العربي العراقي والتشيع الإيراني على خلفية ما يسميه الايرانيون " تحريرا للمذهب بنظرية و لاية الفقيه" ، وما أسميه أنا " اغتصاب سلطة وقدسية الإمام المعصوم في الفكر الشيعي والباسها للولي الفقيه" ..

في الزمن المعاصر كان صراع العراق مع إيران في وجهه الآخر صراعا بين تشيع عربي وتشجيع فارسي وما لا يعلمه كثيرون أن شيعة العراق ومرجعية النجف كانت تمثل 60 بالمائة من مشاة الجيش العراقي في الحرب على ايران وكانوا يقاتلون الفرس على اعتبار أنهم مبتدعة ومغتصبون لعصمة آل البيت في شخص الإمام المعصوم الذي البسوا عمامته إلى الولي الفقيه، وبعد سقوط العراق تحولت المرجعية تدريجيا و بايعاز سياسي إلى " قم" و أصبح ما كان يعتبر بدعة ولاية الفقيه التي جاء بها الخميني أصلا من أصول التشيع العالمي نظرا لخفوت مرجعية النجف و بزوغ مرجعية قم بما نتج عنه الآتي :

* ترحيل التشيع من بيئته العربية إلى بيئة فارسية كانت في الأصل تابعة ولم تكن مركزا.

*هيمنة ولاية الفقيه على تمفصلات التشيع في العالم العربي وتوظيفه لأغراض سياسية خدمة لمشروع امبراطوري فارسي.

*تكريس وصاية إيران على الشيعة في العالم وتحويل هذا الملف إلى ورقة ابتزاز سياسي وضغط وتضييق عسكري كما هو حاصل في لبنان و البحرين واليمن و إلى حد ما في باكستان.

فمسألة الطائفية تقترن دائما في علم الاجتماع بالتوظيف السياسي للنعرات العقائدية في كتلة بشرية تمتلك مذهبا وثقافة ومرجعية ونسق حضاري يرقى بها إلى درجة " طائفة" وبدأت هذا العملية في تقديري بترحيل ايراني تدريجي للتشيع عن جذوره إلى ثلاث وجهات أساسية:

1- ترحيل عرقي من تشيع عربي إلى تشيع فارسي.

2- ترحيل مرجعي من النجف إلى قم.

3- ترحيل إيديولوجي من و لاء الشيعة إلى آل البيت إلى ولاء للإمام الفقيه.

وهو ما ترتب عنه انزياح عقائدي بالدفاع المستميت عن سلطة المرشد الاعلى في الولي الفقيه باعتباره خليفة الامام الغائب فضلا عن سهولة اختراق المشروع الايراني للمجتمعات العربية لعدم تمييز الشيعة العرب بين الولاء للإمام والولاء للولي الفقيه من جهة ولأن بوصلة المذهب الشيعي لم تعد تتجه صوب مراكزها التاريخية في العراق بل نحو المراكز المهيمنة في مشهد وقم وعبر واسطة الولي الفقيه.

كتبت هذا نتيجة ما أراه من استغراب حول بعض المواقف المستميته في الدفاع عن النظام الايراني كما لو أنه دفاع عن مقدس عقائدي لذلك نحتاج إلى تنسيب الامور ووضعها في سياق قراءة حضارية أزعم انها محايدة للموضوع ومبنية على قراءات عمرها سنوات وليس مجرد اصطفاف مذهبي وغوغاء طائفي مقيت ... ولا زلت عاكفا على ذلك.

انا لا اعادي إيران الا بقدر ما يمثله مشروعها الامبراطوري من تهديد للوجود العربي ...اعتبر دائما ان الفرس اهل حضارة وحكمة وهم شركاء في بناء الحضارة الاسلامية وتميزها ولهم اضافات رهيبة وجوهرية اعكف منذ سنوات على فهمها ودراستها أكاديميا ولكني ارفض مطلقا ابواقا تونسية تحولت اصواتها واقلامها إلى لطميات فايسبوكية خدمة لمشروع هيمنة إمبراطوري على حساب وجودنا نحن.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات