قضايا المُجتمع نُلخّصها في كلمة هي "الكرامة" والإعتراف هو أحد أوجه تحقق الكرامة…

Photo

بورقيبة بنى "دولة وطنية حديثة" مُتخيّلة وصنع لها مُجتمع على قياسها(ه) (مجتمع عصري نمط عيش بموصفات مخصوصة) وحتى تتحقق الدولة/المجتمع "الأنموذج" حذف الهوامش والأطراف والمناطق الداخلية (محافظة وانماط عيشها لا تتوائم مع مواصفات "دولته الحديثة") ... كلّ ما لا يشبهه (في التصور وفي الرؤية وفي المشروع) حذفه.

أصبح الحديث على الدولة التونسية يتماهى مع مواصفاة مُجتمع "بورقيبة": عصري ومادة شخمة وحرية المرأة وسياحة شاطئية والمرسى وسيدي بوسعيد والساحل. وعصفور السطح وصمت القصور وأمي تراكي وهناني وحميداتو وعبد العزيز العروي... والمنستير وسوسة وعيد ميلاد الرئيس وقصر قرطاج... والتنظيم العائلي وتعميم التعليم.

والمزود لا والفن الشعبي لا وجندوبة والكاف والقصرين (08) لا... والتنمية حدّها النقطة 74... ما عندهاش فيزا باش تتعدّى لحفوز وسيدي بوزيد وبير الحفي. وبقية الجنوب تابع القذّافي عايش من التجارة الموازية ويتمتع بالدعم مع الشعب الليبي.

بعد الثورة اكتشفنا أنّ المُجتمع التونسي أكبر بكثير من مُجتمع بورقيبة... وبالتالي هو أكبر من الدولة الوطنية المُتخيّلة. التي أوهم بورقيبة العالم بأنها إنجازه الذي جعله يدخل التاريخ... اكتشفنا أنّ قضايا المُجتمع التونسي الحقيقي -وليس المُتخيّل- ليست "حرية المرأة" ولا مجلة الأحوال الشخصية ولا المساواة ... ولا عصفور السطح ولا شوف لي حلّ.

بل هي أكثر تعقيداً... قضايا المُجتمع نُلخّصها في كلمة هي "الكرامة" والإعتراف هو أحد أوجه تحقق الكرامة...

مجتمع نصفه لم تشمله "التنمية" ولا مُخططات "الدولة" ولا رهانات التحديث... مُجتمع غير معني بما تُهندسه الدولة من سياسات وبرامج... نساء ورجال "حقرتهم" الدولة وموش معترفة بهم.... لا بنية تحتية ولا مستشفيات ولا جامعات ولا ماء ولا ضوء ولا كياس ولا ترفيه ولا رحلات ولا شيء.

اكتشفنا بفضل الثورة النسب المرتفعة للأمية ولحالة اللاّتمدرس والإنقطاع المبكّر عن التعليم. واكتشفنا الوضع الكارثي للمدارس وللمبيتات. والأوضاع الإجتماعية للمرأة العاملة في القطاع الفلاحي. وللفقر وللعوز... ولدرجة الإذلال التي مارستها "الدولة الحديثة" على هؤلاء "السكّان".

المشكل ببساطة أنّ "الدولة الوطنية الحديثة" التي بناها بورقيبة وورثها بن علي وورّثها لمن جاء بعده لم تعد تستوعب "المُجتمع" التونسي الذي أخرجته الثورة من تحت الأنقاض…

المطلوب إعادة بناء تصوّر للدولة على قياس المُجتمع التونسي بجميع تفريعاته وهوامشه ودواخله وتفاصيله... المجتمع التونسي برجاله ونساءه بريفه ومدنه وهوامشه بشماله وجنوبه. بشبابه وشيابينه بسياحته الشاطئية وسياحته الإستشفائية والثقافية. بمتديّنييه وعلمانييه ولادينييه... بمُحافظيه وحداثييه.... بالمزاودية والفرق الصوفية والرابورات والفنّ الأندلسي والطربي والعشوائي…

"دولة" متساوقة مع واقعنا الجديد... واقع المشترك الوحيد فيه بين جميع هؤلاء هو الإعتراف بحقهم في "الكرامة".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات