السيستام

Photo

السيستام ، المنظومة القديمة ، الثّورة المضادّة ، الدّولة العميقة ، كلّها عبارات تستعمل باعتبارها مرادفات تبادليّة في سياق الاستهجان والتحذير دون تقديم مفهوم إجرائيّ دقيق يضبط دلالتها ، بحيث لو قلنا سقط السيستام أو نحن نواجه الدّولة العميقة لا نعرف على وجه التّحديد من سقًط ومن نواجه ، عندما تكون المفاهيم ضبابية يلتبس علينا الأمر ويصبح الطّرف الذي نواجهه هلاميّا وتتحوّل معاركنا دونكيشوتيّة نواجه فيها طواحين الرّياح .

إذا اعتبرنا السيستام أو النّظام هو المنظومة الحاكمة فهي تحكم بمقتضى ما تملكه من سلطة فعليّة إجرائيّة قانونيّة ومعنويّة أدبيّة علايقيّة وبمقتضى ما تقدّمه أو تعد به من حوافز ، وكلّ هذه المستويات جميعها تردّ عمليّا وإجرائيّا إلى سلطة الإمضاء والختم ، السيستام هو من يملك صلاحيّة الإمضاء على القرارات المتعلّقة بكلّ ما يتوقّف إنفاذه على الإمضاء في كلّ المجالات والقطاعات والمصالح والمؤسسات والإدارات ، صحيح هناك جزء من السيستام لا يقع تفعيله بالإمضاء المباشر بل من خلال العلاقات اللاشكليّة informelles ولكنّه مرتبط برأس شكلي له صلاحية قانونيّة للإمضاء والإنفاذ والتنفيذ .

السيستام بعد الثّورة حافظ في العموم على جسمه الصّلب ومنظومته المتشابكة ولكنّه فقد رأسا من رؤوسه ليس هو رأس السلطة التنفيذية أي المخلوع بل السّلطة التي تصوغ القوانين وتصادق عليها وتعدّلها وتلغيها وتمارس الرقابة على أجهزة التنفيذ ، السيستام بكلّ مكوناته قابل للتشريح أمام الرّأي العام الوطني تحت قبّة البرلمان أمام شاشات الشّعب ، كما فقد السيستام الواجهة السياسيّة الموحّدة وذات المصداقيّة التي تعبّر عنه ، حيث تحوّلت إلى واجهات منشقّة منفلقة مشتّتة متناحرة لأنّ السيستام لم يكن يوما موحّدا إلا في أجواء الاستبداد والحكم الفردي الضّامن لتوزيع المنافع وريع الفساد والاحتكار والمحسوبية على مكونات السيستام بحيب الدّرجات والخدمات والولاءات والقرب وجهد الوصوليّة والتزلّف ، وكذلك يستمدّ قوّته من قدرته على خلق عدوّ يمثّل خطره عامل تحفيز وتوحيد .

في تقديري أكبر ضربة أصابت السيستام في مقتل هي إسقاط قانون تحصين الثّورة الذي فوّت على السيستام فرصة استثمار رأسمال الضحية واستنفار جسمه وإنعاشه وتحفيزه وتجييشه تحت عنوان المظلوميّة ، في مقابل ذلك وقع القذف به في أتون مسار ثوريّ توّج بدستور في طور التجسيد والتنفيذ ، كان أمام السيستام حلّان إمّا الاندماج أو المقاومة ،اختار السيستام المقاومة المخاتلة التي أنهكته وشتّتت شمله وانتهت به إلى الانهيار أمام اختبار الرّئاسيّات.

كان توافق الشيخين توافق الضّرورة حيث كان كلّ طرف يريد من خلاله المحافظة على وجوده من أجل توفير الشروط الموضوعيّة التي تمكّنه من حصر وجود الآخر في مربعات محدودة، هو في الجوهر اختبار الحريّة ، من الذي يمكن أن يستفيد من هامش الهدنة والحريّة التي وفرها التوافق ، كانت النهضة تخشى من سيناريو مصري وكان النداء يخشى من موجة ثوريّة ثانية ، تفجّر النّداء ومكوناته وشبكة العلاقات والمنافع التي أنشأها وبقيت النهضة موحّدة ولكنّها تراجعت على مستوى خزّانها الانتخابي .

المسارعة بنسج سرديّات قطيعة ثورية حول إسقاط السيستام في اختبار الرّئاسيات الذي عدّ زلزالا فيه نوع من التهوّر والخفّة فالسيستام وصل إلى الاستحقاق الرّئاسي مقسّما مترهّلا في وضع متردّ وكانت الانتخابات بمثابة رصاصة الرّحمة ، لكن الاختبار مازال متواصلا في التشريعيّات والدّور الثاني للرّئاسيّات وما بعد تقلّد الرّئيس لمهامّه ، وفي كلّ الحالات يتبيّن أنّ أكبر عدوّ للسيستام هو الحريّة في مناخ ثوريّ لأنّها فضّاحة للنّوايا كشّافة لما في الضّمائر.

لن يسقط السيستام إلا إذا اسقطناه من عقولنا وضمائرنا واخلاقنا وعلاقاتنا ومن شبكة مصالحنا ومن قوانيننا لندمجه في منظومة الثورة بتجريده من كلّ امتيازاته وما غنمه بغير وجه حقّ ومحاسبته على ما اقترفه من انتهاكات جسيمة.

كلّ الذين شاركوا في الانتخابات باعتبارها أداة للتغيير والبناء الجديد الذي يفكّك منظومة فساد متدهورة وينشئ منظومة العدل والعدالة والعيش الكريم هو جزء من السيستام الجديد الذي أرسى مبادئه وأركانه وقواعده دستور الثّورة دستور الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعيّة ، ويجب أن يتواصل بناء هذا السيستام الجديد تحت مظلّة الدّستور وبنفس المعايير والقواعد المتفق عليها في دستور التّأسيس الثاني للدَولة والمشروع الوطني.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات