قيس سعيّد والتأويلات الميتافيزيقيّة الهستيريّة

Photo

"سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا".

ما أن استفاقت نخب المنظومة القديمة/الجديدة من صدمة نتيجة الدور الأوّل ومن الصعود "المفاجئ" للمرشّح المستقلّ قيس سعيّد حتّى زُلزِلت زلزالا شديدا. ودخلت في حالة من التساؤلات الهستيريّة من نوع: "من يقف وراء قيس سعيّد؟". صحيح أنّها تعوّدت بحكم موقعها ووظيفتها وميكانيكا تموقعها وطرق تعاملها بوجوب وجود "ماكرو" وراء كلّ سياسي أو إعلامي أو ناشط مدني، فظنّت أنّ وراء كلّ نجاح انتخابي مال وعصابات وسفرات وأيادي باطنيّة. فراحت تبحث بهستيريّتها المعتادة عن القوى الخفيّة التي أتتْ بهذا المترشّح الذي لا يشبه غيره من المترشّحين.

وذهبت في تأويلاتها النمطيّة المحكومة بالفكر السطحي وبالمقولات الجاهزة إلى أنّ قيس سعيّد هو مرشّح النهضة وحزب التحرير وحتّى السلفيّة والدليل على ذلك احتسائه، ذات يوم، لقهوة مع رضا بالحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير سابقا! وفي نفس الوقت قالت بأنّ الرأس المدبّر لقيس سعيّد هو الزعيم اليساري الطلابي في السبعينات، "رضا لينين"(رضا شهاب المكّي). وكأنّ هذا الأخير قد دخل منذ ذلك الزمان في "الغيبة الكبرى"، وظهر اليوم من جديد بنفس أفكار السبعينات! فهم لا يرون يسارا من خارج نمط "الجبهة الشعبيّة"!

ثمّ راحوا يبحثون في برنامجه الانتخابي عن كلّ ما يمكن إلصاقه إلى هذه النظريّة المخيفة أم تلك... فهو تارة "داعشي" يسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وهو طورا "قذّافي" ينوي تعميم "اللجان الشعبيّة"... وهو يشكّل تهديدا صارخا للمكاسب الحداثية التي تسبح فيها تونس "للعنكوش"... وقد يكون وصوله إلى الحكم مدخلا لإعادتنا قرونا إلى الوراء، وقد يتسبّب وصوله إلى الحكم إلى إغضاب بعض الدول الشقيقة والصديقة فهو يكثر من الحديث عن مسألة السيادة والاستقلال…

الهدف من هذه الطروحات الميتافيزيقة الأقرب إلى الفنتازمة، هو التشويه أوّلا والعزل ثانيا ووضع المترشح قيس سعيّد في وضع الدفاع عن النفس والحال أنّه في موقع الهجوم.

هل هالكم الجلوس مع رضا بالحاج والعمل مع رضا "لينين" وهما في نهاية الأمر مواطنين في هذا الوطن... في حين أنّكم لا تتورّعون على التصرّف كالمومسات بين أحضان السفراء ورجال الأعمال المفسدين الفاسدين وكذلك المنظمات العالمية المشبوهة؟

ما ترونه خطرا في مشروع قيس سعيّد هو بالضبط ما دفع بكلّ من له ذرّة وعي وبصيرة وحبّ صادق لهذا الوطن إلى الالتفاف حوله، أو بالأحرى حول ما يمثّله من رؤية ومشروع.

هذا المشروع هو توليفة (synthèse) طبيعيّة للأفكار المختلفة وربّما المتصادمة التي عرفتها البلاد على مدى عقود. فعند قيس سعيّد نجد انتماء عُروبيا وإسلاميا هادئا، بدون هوس ولا توتّر وفي انسجام تامّ مع التّوق إلى عدالة اجتماعيّة صارمة... ونجد أيضا تمسّكا بروح الدستور، وتأكيدا على مسألة السيادة والاستقلال بما يعنيانه المصطلحان من معاني عميقة وتحرّريّة... ونجد أيضا تركيزا على دور الفرد/المواطن في عمليّة البناء الديمقراطي والاقتصادي، في قطيعة مع الفرد/التابع والمجموعة/القطيع...

هذا في حقيقة الأمر ما يخيفكم في قيس سعيّد… ولكنّكم قوما تحبّون التزييف!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات