في دلالات برنامج المرشح للرئاسة د.الزبيدي

Photo

لما أقرأ برنامج النقاط الخمس التي عرضها د. الزبيدي تلخيصا لبرنامجه الانتخابي ألاحظ أمورا تبدو صريحة وبسيطة لكنها عند إمعان النظر نجد أنها تحتاج إلى تأويل لأنها تفيد الشيء وضده:

1. هل التعهد المتعلق بالخصومة بين اليساريين والقوميين من جهة أولى والإسلاميين وربما من كان معهم في الترويكا من جهة ثانية يحدد من يخاطبهم فيعين من يعتبرهم معه فيعدهم ومن يعتبرهم ضده فيهددهم من بين الناخبين المخاطبين ببرنامجه؟ أم هو يحدد إرادته الجدية في فقع الدمل والسعي لتسريع الحسم في التهم للمتهمين أو عليهم وإنهاء القضايا الثلاث التي أشار إليها أي الاغتيالات والتسفير والجهاز الموازي؟

2. هل التعهد المتعلق بالدستور علته تعديل تقاسم السلطة بصورة أفضل لأن الدستور فيه وعليه؟ أم هو بقصد العودة للنظام الرئاسوي؟

3. هل التعهد المتعلق المصالحة الوطنية بأبعادها الثلاثة تعني جبر الكسور الثلاثة التي وردت فيه بالاسم؟ أم هي تعني إعادة النخبة التي كانت تحكم إلى الواجهة بتبرئة الجميع وكأن شيئا لم يثبت في العدالة الانتقالية؟

4. هل التعهد المتعلق بالتنسيق مع القوى الحاملة للسلاح يعني نفس ما يعنيه دور رئيس الجمهور في الدستور الحالي من كونه مسؤولا على أمن البلاد الخارجي؟ أم هو يلمح إلى دور جديد للجيش والداخلية يتجاوز كونهما أداتي للسلطة الشرعية وليس لهما قرار مستقل يجعل الكلام على التنسيق التام معها دالا على ذلك؟

5. وأخيرا هل التعهد بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري فيها خروج عما يحصل عليه إجماع في الجامعة العربية بمعنى أن تونس ستتصرف بانفراد؟ أم إنه ينوي اقناع الجامعة بموقف جديد يطابق ما يسعى إليه؟

هذه الأسئلة تضع نقاط استفهام حول الوضوح المظهري للنقاط الخمسة التي تبدو بسيطة وقصيرة وخالية من الحاجة الى التفسير والتأويل. طبعا إذا قرأناها بحسن نية فإن كل واحدة منها يكون البديل الثاني من الجواب عن السؤال إيجابيا أما إذا قرأناها بالانطلاق مما وراء الأكمة فهي شديدة السلبية. واعتقد أن من صاغ هذا البرنامج قد بناه على معرفة جيدة بما دار في الساحة السياسية منذ بداية الثورة إلى اليوم.

لكن في الحالة الثانية وهي التي تبدو لي الارجح نظرا للمناخ في البلاد وفي الإقليم، فإن البرنامج فيه فتنة كبيرة قد تذهب بتونس إلى أبعد مما تستطيع تحمله.

• فالغالب على العنصر الاول من البرنامج ميل إلى تصديق تهم اليسار والقوميين في مسائل التعهد الأول وسيتبين ذلك سريعا من نبراتهما ومن نبرات الاتحاد الذي أغلب قياداته على نفي الموجة.

• والغالب على العنصر الثاني الميل إلى العودة إلى الرؤية الرئاسوية لأن السكوت عن طبيعة المضمون الذي سيكون مدار الاستفتاء مقصود بعناية لتجنب الالتزام بما ليس من الضرورة بيانه من الآن وما يخفى في هذه الحالة هو النكوص إلى هذا الخيار.

• والغالب على العنصر الثالث هو المزيد من المصالحة التي سبق أن تحققت وليس البعدين الآخرين اللذين يبدوان طعما لتمرير الاول أعني المصالحة السياسية ليس بين قوى الثورة والنظام القديم بل عودة النظام القديم بالكامل واعتبار الثورة قد انتهى دورها.

• والغالب على العنصر الرابع تلميح مخيف إلى أن السلطة الشرعية السياسية صارت تنسق مع حملة السلاح وليست هي التي توجهها وليس لحملة السلاح رأي سياسي إذ رأيها لا يتجاوز البعد التقني من تنفيذ القرار السياسي.

• والغالب على البعد الأخير وهو المسكوت عنه هو الخروج على قرار الجامعة العربية واتباع الإمارات ومن يتبعها من عرب الثورة المضادة في هذا الاتجاه.

تلك هي قراءتي الأولى لهذا البرنامج وسأنتظر المزيد من شروح صاحبه في الحملة الانتخابية علما وأن ما أعرفه عن الرجل وهو قليل لأن ما لاحظته في اجتماعات مجلس الوزراء يجعلني أعتبره نزيها ووطنيا والله أعلم بالسرائر.

وسأختم بملاحظة عامة تخص المترشحين الآخرين:

ففي حالة الفرضية الاولى حول كل عنصر من هذا البرنامج أي عندما نفهم أن فيه عداء للثورة وكل ما حدث خلال المدة التي انصرمت بين بدايتها والانتخابات الحالية فإن المرشحين الآخرين سيفرزون بمعيار من هم معه ومن هم ضده.

وفي حالة الفرضية الثانية حول كل عنصر من هذا البرنامج أي إذا كان الهدف تحسين ظروف تحقيق اهدافها فسيكون الفرز مختلفا لأن الموقف حينها يتعلق بتوحيد التوانسة لرفع تحدي الديموقراطية والحرية والكرامة ويمكن حينها الخروج من التناحر الحالي.

لكن ذلك لن يتبين من دون أن يقدم المرشحون الآخرون على تقديم برامج بسيطة في نقاط قليلة تتعلق بهذه المسائل وما يرونه بحاجة إلى الإضافة إليها انطلاقا من أحد التأويلين لعلاجهما بصورة تجعل الحملة تعبر عن مسؤولية طبقة سياسة ناضجة وليس ما أراه حاليا من مناكفات اغلبها لا تعبر عن الوعي بالوضع الحرج لتونس في مناخ اقليمي ودولي خطير وفي وضعية اقتصادية وأمنية شديدة الهشاشة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات