مجنون قرطاج

Photo

الرحالة أو الطوافة او المشاء او ابن بطوطة الحياة السياسية.. تعب الشابي، أرهقه التنفل ومضت عقارب العمر بعيدا بينما لم يظهر قرطاج في آخر النفق، ولا حتى لاحت القصبة ولا حتى حقيبة خارجية او داخلية، وبعدت الشقة ولم يعد في العمر بقية لبناء الأحزاب من جديد ومن ثم التدرج، فقد تدرج الرجل بما فيه الكفاية، منذ سبعينات القرن الماضي وهو يتدرج، كاد يستوي على عوده، كاد يقطف ثمره لولا "تغفيصة" جانفي 2011،

تسرع الشابي حين كان في التأني السلامة، ثم تسرع ثانية بعد 23اكتوبر 2011 حين كان في التأني الرجولة، ومنذ ذلك الحين والرجل يهيم على وجهه يعرض نفسه على الكيانات الحزبية، يطرق أبواب الائتلافات والكتل والتحالفات والجبهات، لا يبحث عن بناء أحزاب بل يبحث عن بناء حاضنة رئاسية، شانطي حزبي، يحمله الى عرش الضاحية الشمالية.

بلا جدال و باستحقاق، يعتبر الشابي أكثر السياسيين الذين تضرروا من أنفسهم، قتلته الرغبة المتوحشة في الوصول إلى هرم السلطة، ثم تفتت كبده كمدا ان يصعد المرزوقي إلى رئاسة الدولة والغنوشي إلى قيادة التجربة وبن جعفر الى سدة البرلمان، يمضي رفاق المحنة في نحت الانتقال الديمقراطي، ويبقى هو يجوب ازقة العاصمة يبحث عن مجد مناضل اضاعه ذات 2011 ، تلك السنة التي بزّع فيها الشابي كل رصيده، كل ما جناه طوال 40 سنة سكبه بزّعه دفّقه كبّه، خلال سنة السعد على شعب تونس وسنة النحس على "رئيس" تونس الذي لم يصل إلى الرئاسة.

بعد الخيبات المتتالية لم تعد تونس تتعرف الى نجيبها، اصبح شخصية أخرى تماما، تخفف من الأنفة وتجرد من كبرياء المناضل وأصبح اقرب الى أشعب الذي يتسكع على موائد البدو والحضر، ولو تتبعنا آثار الشابي فوق محركات البحث، لوجدناه طاف على كل القبائل الفكرية، قبيلة قبيلة، فكرة فكرة، عرض نفسه في الشتاء وفي الصيف، يسار، يمين ، يسار الوسط، يمين الوسط، الوسط الغربي ،الوسط الشرقي، الشمال الجنوب، برا وبحرا وجوا، ثم وفي الاخير وحين أعياه المسير، وهده البحث، وخلخله الياس، سأل عن بيت عبير موسي، ذهب اليها، طرق الباب، خرجت اليه، وقبل ان يسلم بادرها : عبير؟ قاتلو نعم انا عبير..عبير تعرفي إلى "بن علي كان وطنيا وخدم البلاد بكل إخلاص" صمت قليلا ثم أضاف: تنتخبيني هاعبير...ساد الصمت لحظة، ثم اقفلت سجاح بابها، وغاب الحطام في الزحام، قيل ان أحد أطفال الحي سمعه يسأل أحد المارة "خويا تعرفش دار الفة تراس"!!!!!!!

تلك قصة مؤلمة، قطعة من حزن تونس، قصة يجب ان نرويها للأجيال لتتعظ، قصة تحكي عن ظاهرة غريبة تحدث كل المائة سنة فأكثر، قصة نجيب الشابي التقدمي الذي أصبح نجيب الشابي التأخري، لقد عشق قرطاج حد الجنون، إلى حد باع معه رصيده لإرضاء نزوة العشاق، انتهت القيم كلها تحت اقدام قرطاج ، كما انتهت قيم كثير بن الأسود تحت اقدام عزة، كثير الذي أخذه والده للحج لعله يشفى من حب عزة، فلما أشرف من الجبل على كل ذلك البياض، قال له والده ادعو الان الله ان يشفيك من حب عزة، فجادت قريحته المجنونة :


ركبان مكة والذين اراهم **يبلون من حر الفؤاد همودا.

لويسمعون كما سمعت كلامها** خروا لعزة ركعا وسجودا.

الله يعلم لو اردت زيادة** في حب عزة ما وجدت مزيدا.

العشق حينما يهجم لا يفرق بين عزة وقرطاج، انه ليصعب علاج العشاق، قافلة طويلة صرعها الهوى، قيس ليلى، كثير عزة، زيدون ولادة، براق ليلى، قيس لبنى، نجيب قرطاج والقافلة تطول.. مثل الشابي في حزنه على قرطاج كمثل حزن تماضر بنت عمرو السلمية على أخيها، حين تكف الخنساء عن رثاء صخر سيكف الشابي عن طلب قرطاج.. دعوا الرجل لا ابا لكم، فقد شكّ الحزن فؤاده و اكل العشق قلبه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات