مقابلة الترجي والوداد : التصويب خارج المرمى

Photo

لا شك أن الرياضة لعبة سياسية تهب السياسة مفرداتها و قواعدها و الكثير من فنياتها و مراوغاتها وخيباتها و أفراحها . أوفياء كرة القدم و المتيمون بها بل و مجانينها ليسوا لا أقل وطنية ولا اكثر من المناضلين » الأشاوس » … خصوصا وهي التي تنتهي بهزائم و انتصارات. هي بلا شك لعبة و لكنها أكثر جدا من المعارك الطاحنة أحيانا. للملاعب و الحلبات جوار و شبه بساحات الحروب: جمهور و لاعبون ومشاهدون لا يتورعون عن الانزياح و تعدي تلك الستائر الشفافة الفاصلة بين العالمين .

أصبحت كرة القدم و نحن على أعتاب القرن الواحد العشرين لعبة منتجة للنجوم ومدرّة للأرباح الخيالية المتراكمة في جيوب اللاعبين و الوسطاء و الشركات ، وفرجة تباع للأغنياء أكثر من الفقراء ورهانا حقيقيا يمكن أن يدفع بأشخاص الى مراتب عليا حيث المجد و الشهرة لذلك اقتفى أثرها الساسة و تحولوا حقيقة أو وهما الى مشجعين لفريقهم ان كان هذا أو ذاك . من يتذكر ان قادة العالم توقفوا ذات صيف عن مناقشة قضايا الكرة الأرضية وما أعسرها وفضلوا متابعة مقابلات كاس العالم و قد فازت بها فرنسا آنذاك ؟ .

من منا لم يتعاطف مع الشقراء الجميلة كولندا كياتروفيتش رئيسة أوكرانيا سابقا و قد دمعت عيون البعض مع انسياب دمعاتها وهي تتابع مباريات منتخبها الوطني لكرة القدم الذي انسحب … إنها بقسماتها و دموعها وهي تشجع منتخب بلدها الذي كان يمر بفترة حرجة افتكت منا تعاطفنا بل أحببنا أن تذهب بنا أوكرانيا بعيدا في تلك المغامرة .

احتاجت فرنسا الى الفوز بكأس العالم و انتظرت ذلك لعقود حتى يمكنها ان ترسخ تلك اللحمة الوطنية من خلال منتخب ثلاثي اللون اختلطت فيه الأجناس و الألوان . فرنسا بعد 1998 لا تشبه ما قبلها واحتاجت من قبلها البرازيل الى كأس العالم سنة 1970… كانت البرازيل تبحث عن مجد كروي حتى تنسى جبال الأزمات التي كادت أن تؤدي الى انهيار الدولة و اندلاع حروب أهلية … . الفوز بكأس العالم لن يغني فقراء و مهمشي البرزايل و ما أكثرهم و لكن لعله يمنحهم سماء من الأحلام و الانتشاء هي أسخى من الرغيف و الحب . ثمة خدر جماعي غريب و مريب يدب في مفاصل الجماهير العريضة يشبه جنون العظمة …

لا أحد ينكر أن كرة القدم تمنح للناس صورة عن بلدانها فهي دعاية حاسمة لها : قيمها و امكانياتها و ووعودها . التنظيم المحكم و الامن الصارم و الضيافة و الحريات صورة كنا نستطيع إرسالها الى العالم باسره و نحن ننظم مختلف المسابقات و لكن فشلنا و نحن نرث بنية تحتية رثة و سياسات فاشلة.

القرار الأخير بإعادة المباراة بين الترجي و الوداد البيضاوي قد يكون ملتبسا و غير منصف للترجي و لكن على أبناء الترجي أن يثبتوا انهم الأجدر ما دامت هناك مباراة فاصلة وهم قادرون على ذلك… أما جرنا الى وطنية كروية مستعدة ل « شن حرب » من أجل استعادة هذا الكاس فذلك حمق و غباء …

خطاب التحريض على الشقيقة المغرب مرفوض حتى و ان ارتكب بعض اشقائنا هنالك اخطاء . الخطيئة هو أن نحفر في اللحمة الحية أخاديد الكراهية التي لا تندمل . تذكروا ما حدث بين مصر و الجزائر ابان منافسات الترشح لكاس العالم سنة 2009 ذلك الجرح الغائر الذي لا زل مفتوحا على الجفاء العلقم .

لا شك أن رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد و غيره يحتاج الى كأس الكاف حتى يداعب مشاعر الجمهور الذي سيتحول بعد أشهر الى خزان انتخابي و لا شك أن الاحزاب ستتسابق على اصدار بيانات التنديد و ابداء وطنتيها الكروية مزايدة و تزلفا و استمالة لجمهور الترجي …. و لكن علينا « ألا نغير قواعد اللعبة أثناء اللعب ». فحشر الوطنيات الكروية و حشد الرأي العام لا يخلو بدوره من غايات انتخابية فجة …

يهمنا إنصاف الترجي وفق ما جرت عليه قوانين الفيفا و التحكيم الرياض الدولي . أما حشرنا جميعا « تخميرة » الوطنية الكروية و تحريضنا على الشقيقة المغرب فعمل سخيف بل مقرف ….. الكاف والفيفا و مختلف المحاكم الرياضية الدولية لها طقوسها التي لا تسمح للسياسة ان تطفو على السطح و تصبح متحكمة فيها .

لقد جمدت جامعات رياضية حين أصرت بعض الانظمة على التدخل السافر في شؤونها ….تلك معادلة علينا ان نحسن قراءتها … فالتأثير الناعم فن و تشكيل اللوبيات و مجموعات الضغط داخل المنظمات الرياضية الدولية صنعة علينا أن نحذقها ضمن الروح الرياضية و اخلاقها فذلك أجدى و أنفع من كل هذا الصراخ الوطني الاجوف …

مغربنا الموحد حلم جيل بأكمله أما ربح مباراة أو كأس فأمنية موسم …. صوّبوا الكرة حيث المرمى على المعشب المستطيل ولا تصوّبوا خارجه ..فقد نصيب مكمنا للهزيمة… لنا جميعا ..وليس بلغة الكرة فقط هذه المرّة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات